قبل بزوغ فجر الثالث عشر من آب (اغسطس) العام 1961، تحرك آلاف الجنود من ألمانياالشرقية لبناء حاجز من الأسلاك الشائكة على طول الحدود مع ألمانياالغربية، وخلال بضعة أشهر تحولت الأسلاك الى جدار اسمنتي صلب عزل الألمان عن بعضهم بعضاً. في العام 1989 اكتشف الأوروبيون ان العزلة موت بطيء وهدموا السور. الاثنين احتفلت أوروبا بالذكرى ال 20 لهدم جدار برلين. وهي تتحدث عن عظمة الحرية، وانتصار إرادة الحياة والتعايش، لكنها تتغاضى عن جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، وترى أن من حق الدولة العبرية حماية أمنها بالوسيلة التي تحتفل أوروبا سنوياً بإزالتها، وباتت الدول الغربية تزيّن فكرة بناء الجدران بين الشعوب، وتحضّ الدول على اعتمادها كوسيلة لحماية أمنها. لذلك قررت إسرائيل بناء سور عزل مع الحدود المصرية. الاحتفال السنوي بذكرى سقوط جدار برلين يركّز على سقوط الحقبة الشيوعية، وتطغى الدلالات السياسية، وذكريات النضال ضد الشيوعية على الحدث الذي غيّر وجه أوروبا والعالم، ويقل الحديث عن تأثير العزلة على سكان برلينالشرقية، ويغيب الربط بين فكرة العزلة وسقوط الحركة الشيوعية، وإن شئت فلا أحد يركّز على أن هدم الجدار كان نتيجة الرغبة في الانعتاق من تلك الحالة الخانقة والبائسة التي عاشها الألمان الشرقيون خلف الجدار، وشعورهم بخطورة ضمور الحياة، وموت الرغبة فيها. هذا الجانب المهمّش في حكاية جدار برلين يجب ان يكون حاضراً في تعامل العرب مع إعجاب اسرائيل بفكرة الجدران وحماستها لها، واذا كانت اسرائيل اختارت العزلة بدلاً من التعايش مع المحيط العربي الذي تتهمه برفضها، يتوجب على الدول العربية دعم الرغبة الإسرائيلية وتشجيعها. فهذه الرغبة تؤكد أن اسرائيل مجرد دولة جنين وملامحها غير مكتملة، وهي غير قادرة على العيش في ظروف طبيعية، لذلك تبدي حماسة غير عادية لفكرة العزلة لأنها لا تستطيع ان تكون دولة سوية. وهي تسعى الى إحاطة حدودها بالجدران كردّ فعل طبيعي على السلام والتعايش، بالتالي يجب أن نسهل عليها المهمة، ونصدّر اليها الاسمنت بأسعار تشجيعية. اتركوا اسرائيل تعزل نفسها، اتركوها تحفر قبرها بنفسها.