يعكف خبراء سوريون حالياً على دراسة مسودة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومدى انسجام بنودها مع المصلحة الوطنية، بعدما أعلنت دمشق أخيراً أنها تفضل «التعاون» في الوقت الراهن على الشراكة. وكانت دمشق وقعت بالأحرف الأولى على الاتفاق في خريف 2004 قبل تجميد الاتفاق من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2005، ليعود الحديث عنه بين الجانبين في كانون الأول (ديسمبر) 2008. وكان مقرراً توقيعه بشكل نهائي في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكن دمشق طلبت التريث لمراجعة بنوده. وأشار الرئيس بشار الأسد أخيراً إلى ان بلاده أعطت «الأولوية للتعاون وليس الشراكة» مع الاتحاد الأوروبي، كون «الشراكة من الناحية القانونية والفنية بحاجة لبعض المناقشات التي لم تنته بعد كي ننظر إليها كإطار يحقق مصالح سورية في شكل كامل». وجاء القرار السوري في ضوء التغيّر الكبير في الاقتصاد السوري اذ ان الكثير من البنود منصوص عليها في الاتفاق أُنجزت أو ان بعضها تجاوز متطلبات الشراكة، خصوصاً ما يتعلق بالإصلاح الضريبي وتحرير التجارة وتشريعات الاستثمار. وتشير الأرقام الاقتصادية إلى ان السنة المقبلة ستشهد قفزة في مؤشرات الموازنة التي تقدر بنحو 754 بليون ليرة سورية (16.39 بليون دولار) سواء لجهة زيادة الموازنة الاستثمارية بنسبة 20 في المئة، أو خفض عجز الموازنة إلى ستة في المئة، وارتفاع الإيرادات غير النفطية إلى 70 في المئة، والصادرات غير النفطية إلى 55 في المئة. ويرى خبراء اقتصاديون ان الإعفاءات الجمركية للبضائع الأوروبية وإلغاء القيود غير الجمركية ستؤدي إلى منافسة غير متكافئة للمنتجات الوطنية القائمة، كما ستمنع قيام صناعات جديدة، وإلى فقدان الخزينة السورية لموارد مهمة تزيد من عجزها». وحذر الخبراء من نتائج «كارثية» على الاقتصاد السوري في حال توقيع الاتفاق. وقال المحلل الاقتصادي منير الحمش ل «الحياة»: «ان من مصلحة سورية عدم توقيع اتفاق الشراكة، لأن العلاقة ستكون غير متكافئة بين عملاق اقتصادي يضم 27 دولة، وقادر على فرض شروطه وبلد صغير مثل سورية». وحذر من «ان الاتحاد الأوروبي سيبتلع الاقتصاد السوري، وستتضرر منتجاتنا الوطنية لأنها غير قادرة على المنافسة، وبالتالي ستغلق مصانع كثيرة أبوابها... أما الإيجابيات فهي في عالم الغيب». ودعا إلى رفع قدرات الاقتصاد السوري التنافسية، ومواجهة المنتجات الأجنبية في الداخل والخارج، مؤكداً على ان المنتجات السورية ستلقى منافسة شديدة ليس فقط من المنتجات الأوروبية، وإنما من منتجات الدول الأخرى مثل الصين وماليزيا. ويقضي الاتفاق بتحرير التبادل التجاري بين سورية ودول الاتحاد الأوروبي من خلال خفض تدريجي على الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المتبادلة بينهما، وفق جدول زمني محدد ب 12سنة. وقال الحمش: «هم لا يفرضون كميات فقط، وإنما شروطاً ومواصفات متشددة، هذه المواصفات ربما لا تتوافر في منتجاتنا الزراعية حالياً، والموضوع يحتاج إلى جهد لتحسين مستوى الإنتاج والجودة للوصول إلى المواصفات الأوروبية». وطالب برفع بعض القيود والعراقيل الموضوعة على المنتجات الصناعية المحلية والتي ترفع كلفتها من دون تحسين جودتها وقدرتها على المنافسة. وفيما اعتبرت المفوضية الأوروبية ان من مصلحة سورية كما من مصلحة أوروبا التوقيع على اتفاق الشراكة، قال الباحث الاقتصادي سمير سعيفان ان الاتفاق سيمنع قيام صناعة سورية متطورة وحديثة بسبب دخول المنتجات الصناعية الأوروبية المتطورة، ما يبقيها في دائرة التخلف ويحوّل سورية إلى سوق لتصريف المنتجات.