ربع نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة .. الهلال السعودي يواجه غوانغجو الكوري الجنوبي    بوتين: على روسيا استغلال الحرب التجارية لتعزيز الاقتصاد    الهند تطرد مواطني باكستان من أراضيها وتغلق المعابر الحدودية معها    هيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية توقع مذكرة تفاهم    "سعود الطبية" تسجّل قصة إنقاذ استثنائية لمريض توقف قلبه 30 دقيقة    ريال مدريد يفتقد جهود كامافينجا حتى نهاية الموسم    أمانة الشرقية توقع مذكرة تفاهم مع جمعية ترابط لخدمة المرضى والمجتمع    "الربيعة" يُدشّن محطة توليد أكسجين في مستشفى الطاهر صفر بتونس    وزير الثقافة يلتقي نظيره الكوستاريكي في جدة    هالة الشمس تتوهج في سماء عسير وترسم منظرًا بديعًا    الصندوق الثقافي يشارك في مهرجان بكين السينمائي الدولي    تنمية جازان تشارك في مهرجان الحريد ال21 بجزيرة فرسان    السياحة تشدّد على منع الحجز والتسكين في مكة المكرمة لحاملي جميع التأشيرات باستثناء تأشيرة الحج ابتداءً من 1 ذي القعدة    رحلة "بنج" تمتد من الرياض وصولاً إلى الشرقية    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا    المملكة والبيئة.. من الوعي إلى الإنجاز في خدمة كوكب الأرض    الطيران المدني تُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر مارس الماضي    صدور موافقة خادم الحرمين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية ل 102 مواطنٍ ومقيمٍ لتبرعهم بالدم 50 مرة    جامعة بيشة تدخل لأول مرة تصنيف التايمز الآسيوي 2025    ختام مسابقة القرآن الوزارية بالمسجد الحرام    رالي جميل 2025 ينطلق رسمياً من الأردن    1024 فعالية في مهرجان الشارقة القرائي    تصفيات كرة الطاولة لغرب آسيا في ضيافة السعودية    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    الشرع: لا تهديد من أراضينا وواشنطن مطالبة برفع العقوبات    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    المالكي يحصد الماجستير    تكريم متقاعدي المختبر في جدة    ملك الأردن يصل جدة    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    الجدعان مؤكداً خلال "الطاولة المستديرة" بواشنطن: المملكة بيئة محفزة للمستثمرين وشراكة القطاع الخاص    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    فصول مبكرة من الثقافة والترفيه.. قصة راديو وتلفزيون أرامكو    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    منصة توفّر خدمات الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة والنظار المخالفين    أعادت الإثارة إلى منافسات الجولف العالمي: أرامكو.. شراكة إستراتيجية مع فريق آستون مارتن للسباقات    النصر يستضيف بطولة المربع الذهبي لكرة السلة للرجال والسيدات    جائزة محمد بن صالح بن سلطان تنظم ملتقى خدمات ذوي الإعاقة    غرامة (50,000) ريال والسجن للمتأخرين عن الإبلاغ عمن انتهت تأشيرتهم    «الأدب» تدشن جناح الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    إطلاق 33 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد    تَذكُّرُ النِّعم    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    من يلو إلى روشن.. نيوم يكتب التاريخ    منجزاتنا ضد النسيان    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران        أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - «باندورا والهولندي الطائر»: سينما المثقف المنسيّ
نشر في الحياة يوم 09 - 11 - 2009

في تاريخ الفن السابع، اليوم، يبدو المخرج الأميركي ألبرت لوين منسياً بعض الشيء، إن لم نقل غائباً في النسيان تماماً. بل انه حتى حين كان في ذروة إبداعه السينمائي في أربعينات القرن العشرين وخمسيناته، لم يكن واحداً من الذين يثيرون الصخب من حولهم. وربما كان هذا ناتجاً من شخصيته المنطوية، أو من عدم تحقيق اي من أفلامه الأساسية تلك النجاحات التجارية أو حتى النقدية التي كانت سينماه تستحقها. غير ان الأقرب الى المنطق هو ان سينما لوين، ظلت الى حد ما، سينما هامشية لأن مبدعها أراد لها ان تكون سينما «مثقفة». وقد كانت هذه الإرادة منطقية من فنان مثقف أتى من الساحل الشرقي للولايات المتحدة مشبعاً بثقافة كلاسيكية، أدبية وفنية، راغباً في ان «يغزو» بها هوليوود التي كانت عصية على مثل ذلك الغزو. لذا نراه انتظر كمنتج لمخرجين شعبيين كبار، أكثر من عشرين سنة تلت وصوله الى عاصمة السينما قبل ان يقرر ان الوقت حان له كي يحقق أفلامه الخاصة. والحقيقة انها كانت، بالفعل، افلاماً خاصة حتى وإن كان من المنطقي القول ان اياً منها لم يبلغ مرتبة تضعه بين الأفلام الأكبر والأهم في تاريخ السينما. يمكن القول، فقط، ان الذين شاهدوا افلامه في زمنه، حتى وإن كانوا نسوا اسمه بسرعة، ظلت في أذهانهم صور ومشاهد منها، خصوصاً إن كانوا من المثقفين والرومانسيين في آن معاً. ذلك ان البعد الثقافي والمناخ الرومانسي طبعا، الى حد مدهش، معظم افلام ألبرت لوين في تلك الآونة. وحسبنا هنا ان نذكر اسماء وردت في ثنايا أفلامه أو في شخصياتها وأحداثها الأساسية حتى نتيقن من هذا: افلاطون، غوغان، عمر الخيام، موباسان، أوسكار وايلد، اسطورة الهولندي الطائر... الى آخره من تلك الأسماء التي ما كانت هوليوود تحفل بها من قبل. فهل نضيف هنا ان لوين طلب ذات يوم من الموسيقي الفرنسي الكبير داريوس ميلو، ان يضع موسيقى لاقتباس كان يريد ان يحققه عن لوحة سوريالية لماكس إرنست عنوانها وموضوعها «إغواء القديس انطوان».
كل هذا وغيره، جعلا في الحقيقة، من ألبرت لوين، حالة خاصة في هوليوود. اما إذا اردنا ان نتوقف عند واحد من أعماله، فلا ريب في ان اختيارنا سيقع على فيلمه الأشهر - والأشهر من دون ان يعني هذا ان مشاهديه يتذكرون حتى الآن اسم المخرج!-، وهو «باندورا والهولندي الطائر». ومن الواضح هنا ان لوين، الذي كتب سيناريو الفيلم بنفسه، قد وضع فيلمه ومنذ العنوان، في رحى أسطورة «الهولندي الطائر» الشهيرة والتي كان ريتشارد فاغنر اقتبس منها أوبراه المعروفة والتي تحمل الاسم نفسه. والحال ان فيلم لوين إنما هو اقتباس مباشر للأسطورة إنما مع عصرنة وأبعاد جديدة، أتت في جانب منها متلائمة مع المناخ الفكري والثقافي الذي كان سائداً في العالم - الأوروبي خصوصاً - أواخر اربعينات القرن العشرين، أي الزمن الذي تدور فيه أحداث الفيلم. وليس أدل من هذا، ان يكون لوين قد رسم شخصيات السيناريو الأخرى - اي عدا «الهولندي الطائر» وباندورا - على سمات عدد من المثقفين والكتّاب الذين يطلق عليهم اسم «ابناء الجيل الضائع»، من سكوت فيتزجيرالد الى أرنست همنغواي مروراً بغرترود شتاين وما الى ذلك... غير ان هذه الشخصيات لا تبدو اكثر من «ديكور» هنا. وفي المقابل رسم لوين شخصية الإنكليزي وعالم الآثار، الذي يروي لنا الأحداث، على نسق شخصية كان لوين نفسه طالعها، ثم رسمها سينمائياً في فيلمه «القمر وستة بنسات» الذي اقتبسه عن رواية سامرست موم المعروفة.
لكن هذا التحديث كله، لا يلغي ابداً علاقة حكاية الفيلم بالأسطورة الأوروبية الشمالية الشهيرة، هذه الأسطورة التي تتجلى هنا من خلال الحكاية الأساسية والأسماء، ولا سيما من خلال الشخصيتين الرئيستين. وقد آثر لوين ان يجعل الحكاية - الأسطورة كلها مروية هنا في تراجع الى الخلف، على لسان عالم الآثار جوفري الذي كان على متن سفينة اسمها «اسبيرانزا» هي التي سيتبين لنا انها المكان الذي تدور فيه الأحداث الرئيسة. أما الأحداث الرئيسة هذه فليست في الحقيقة سوى تطوير للأسطورة القديمة. والفيلم يبدأ مع جثتين لرجل وامراة يعثر عليهما صيادون في كوستا برافا، عند الشاطئ وقد رمت بهما الأمواج، بعد عاصفة عاتية الى هناك. ويكون عالم الآثار جوفري هو اول من يتعرف الى صاحبي الجثتين، ما يشكل ذريعة كي يروي لنا الأحداث التي أوصلت الجثتين الى هنا، بعدما وصل صاحباهما الى مصيرهما. وما بقية الفيلم سوى الحكاية التي يرويها لنا العالم.
إذاً، قبل اشهر من العثور على الجثتين، يطالعنا اليخت «اسبيرانزا» (الأمل) وقد ألقى مرساته في الخليج. وهناك تندفع صاعدة إليه امرأة حسناء (آفا غاردنر) منجذبة تحت سحر الليلة بقوة خفية لن تعرف سببها ابداً. المهم انها إذ تصعد الى اليخت الذي ستكتشف ان من عليه نخبة من المبدعين وأهل المجتمع، تكتشف بعد ان تعبت سباحةً ووجدت نفسها على سطح اليخت، أن قائده وصاحبه الفنان هندريك فان در زي، واقف هناك ينتظرها. وهو ينتظرها ليس فقط لأنه رآها تسبح لتصل الى اليخت، بل لأن وجوده اصلاً - وكما سيتبين لنا لاحقاً - قائم على حتمية وصولها، والدليل على هذا، من ناحية انجذابها الى اليخت بقوة غير مفهومة من ناحية، ومن ثانية ان هندريك نفسه، وهو فنان ورسام، كان في تلك الأثناء يضع اللمسات الأخيرة على لوحة رسمها تمثل الآلهة القديمة «باندورا»، لكنها، ومن دون ان يكون التقى مسبقاً بالحسناء السابحة في اتجاه يخته، تشبه هذه الأخيرة (باندورا المعاصرة اسماً ومسمى) شبهاً غريباً. طبعاً، تستحوذ اللعبة على باندورا الجديدة، تماماً، وسرعان ما يقوم هندريك بتقديمها الى اصدقائه، الذين يكون من بينهم طيار يدعى ستيفن كاميرون، ومصارع ثيران يدعى مونتالفو. وكل من هذين سيشعر على الفور انه منجذب الى الحسناء الغامضة، ليدور بينهما للاستحواذ عليها صراع عنيف. لكنه سرعان ما يتحول الى صراع بين مصارع الثيران وهندريك، الذي سيعيش مع باندورا قصة مختلفة يصعب على الباقين فهمها. وهذه القصة هي التي يفسرها لنا عالم الآثار، الذي هو في الوقت نفسه راوٍ وفاعل في الأحداث: إن هندريك هو نفسه الهولندي الطائر، الذي يجوب البحار على يخته منذ القرن الثامن عشر، بعدما حلت عليه لعنة بسبب قتله زوجته، تفرض عليه ان يبقى متجولاً بائساً حزيناً على ذلك النحو، حتى يعثر على المرأة التي تقبل بأن تموت في سبيله، ومعه، عند ذاك تنصرف اللعنة عنه ويرحل هادئ البال عن هذا العالم. وبسرعة سنكتشف ان باندورا المعاصرة هذه هي تلك المرأة. اما النهاية فرائعة: ان مصارع الثيران الذي أغرم بباندورا، أدرك انه لن يصل إليها إلا بعد قتل هندريك. وهكذا يطعنه في مشهد ستراه باندورا في حلمها كما حدث فعلاً من دون ان تكون قد درت بحدوثه. وحين تفيق، يتبين لها ان مونتالفو طعن هندريك بالفعل. لكن هذا لم يمت... ومن هنا لا يجد المصارع امامه إلا ان يستسلم لقدره ليموت في اليوم التالي على البر في حلبة مصارعة الثيران. وفي الوقت نفسه تثور عاصفة عاتية في الوقت الذي يكون هندريك قد عاد الى سفينته التي يرفض الكل الآن الانضمام إليها خوفاً من غرقها بسبب العاصفة، باستثناء باندورا، التي تجد نفسها مساقة الى السفينة وإلى هندريك وكلها استعداد للموت في سبيل خلاصه. وهكذا، وسط العاصفة يقتل الاثنان ويعثر الصيادون على جثتيهما، ليروي لنا جوفري الحكاية.
لقد ألهبت رومانسية هذه الحكاية وغموضها، مخيلة المشاهدين وعواطفهم حتى وإن كان الاسمان اللذان علقا في الأذهان كان جيمس مايسون وآفا غاردنر، في اجمل دور لكل منهما. أما ألبرت لوين، المولود في بروكلين عام 1894 ودرس في هارفرد، فإنه واصل طريقه السينمائي وحقق افلاماً كانت أبعادها الثقافية تتصاعد فيزداد ابتعاد الجمهور عنها، في وقت كان هو ينصرف ايضاً الى الكتابة وإلى اقتباس الروايات الكبرى ليحققها غيره... حتى رحيله عام 1968.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.