كاد افتتاح المنتدى الصيني - الأفريقي الرابع أمس في منتجع شرم الشيخ المصري يمر مقتصراً على تبادل الإشادات الديبلوماسية بالمستوى الذي بلغه التعاون بين الطرفين، سيما على الصعيد الاقتصادي، لولا الانتقادات الحادة التي وجهها ممثل شمال أفريقيا وزير الخارجية الليبي موسى كوسا إلى النزعة «الإمبريالية» لدى بكين إزاء القارة السوداء، واتهامه لها ب «استيطانها». وافتتح الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء الصيني ون جيا باو المنتدى أمس، بتأكيد أهميته في تعزيز وتنمية الاستثمارات المشتركة بين الجانبين في شتى القطاعات. وأعرب مبارك عن ثقته في أن المشاركين في المؤتمر سيحرصون على التوصل إلى مشاريع مشتركة واتفاقات محددة. وشدد على أن «تعميق التعاون بين الصين وأفريقيا لتحقيق التنمية المستدامة يجب أن ينطلق من مبادئ وأولويات تعتمد على مفاهيم التكافؤ وتواصل الحوار وتضافر الجهود للتصدي لتهميش أفريقيا والعالم النامي ومطالبة الدول المتقدمة بمعالجة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية». وقال إن «مصر كانت أولى دول القارة التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية منذ أكثر من نصف قرن، وساندت ولا تزال مبدأ الصين الواحدة، ودعمت إنشاء هذا المنتدى منذ اليوم الأول باعتباره إطاراً مؤسسياً للتعاون». وأشار إلى أن «المنتدى حقق نجاحات عدة على مدى السنوات الثلاث الماضية»، موضحاً أن «التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا يقترب حالياً من مئة بليون دولار سنوياً، وهناك زيادة مطردة في حجم الاستثمارات والمشاريع المشتركة». وكان مبارك افتتح صباح أمس فعاليات «المؤتمر الوزاري الرابع لمنتدى التعاون بين الصين وأفريقيا» في شرم الشيخ في حضور رئيس الوزراء الصيني وقادة الدول الأفريقية ال 49 الأعضاء في المنتدى أو من يمثلهم. وأكد رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو أن الطرفين «يسعيان إلى تطوير الشراكة الاستراتيجية الجديدة القائمة على المساواة والثقة المتبادلة والتعاون المشترك اقتصادياً والتواصل والاستفادة المتبادلة ثقافياً». وقال جيا باو إن المنتدى «يلعب دوراً رئيساً ومهماً في تعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الجانبين، وأصبح يمثل جسراً رئيساً لتعزيز هذه العلاقات، خصوصاً في السنوات الثلاث الماضية». واعتبر أن «التعاون بين الجانبين دخل مرحلة جديدة... تتضمن الدعم السياسي المتواصل الذي تقدمه الدول الأفريقية للصين في القضايا المهمة، ما يوسع المصالح المشتركة». وشدد على أن «أفريقيا قادرة على التعامل مع قضاياها المختلفة بنفسها، والصين تأمل في بناء علاقات قوية مع الدول الأفريقية»، لافتاً إلى أن «المساعدات الصينية لأفريقيا لم تكن مقرونة أبداً بشروط سياسية... والعلاقات بين الجانبين تحكمها المساندة والتبادل المشترك، حتى في الظروف القاسية، وجوهرها هو الاحترام المتبادل والمساواة». غير أن ممثل شمال أفريقيا وزير الخارجية الليبي وجه خلال جلسة العمل الثانية أمس، انتقاداً حاداً للصين، وطالبها «بعدم استغلال فقر القارة الأفريقية لتحقيق أطماعها». وقال كوسا: «لا ننسى دعم الصين لحركات التحرر في أفريقيا... ونتمنى أن يستمر دور الصين المؤيد لأفريقيا، وأن تبتعد عن الإمبريالية». وأشار في كلمته التي طالب في بدايتها «بغلق الميكروفونات في القاعة»، لكنها ظلت مسموعة للجميع، إلى أن «آلاف الصينيين يستوطنون الآن القارة الأفريقية ويشغلون فرص العمل فيها، وهو ما يؤدي إلى ترك أبناء أفريقيا بلا عمل». ووصف ذلك بأنه «استيطان صيني للقارة». ورد رئيس الوزراء الصيني نافياً الاتهامات لبلاده بمحاولة استغلال أفريقيا ونهب خيراتها ومواردها الخام. وقال بغضب خلال مؤتمر صحافي أعقب الجلسة: «هذا الطرح لا يستحق الرد. هذه ليست شكوى الأفارقة بل شكوى غربية... العلاقات الصينية - الأفريقية قديمة وتعود إلى أكثر من نصف قرن. وتعاوننا بلا شروط مسبقة وقائم على تبادل المنافع والمصالح». ولفت إلى أن «الصين قدمت دعماً لإنشاء السكك الحديد في تنزانيا وزامبيا ولم نطلب برميلاً واحداً من النفط أو أي طن من المعادن... وتمت زيادة الاستثمارات الصينية في أفريقيا من 50 بليوناً إلى مئة بليون في وقت سحبت دول غربية رؤوس أموالها وأوقفت الكثير من المشاريع». من جهته، أكد الرئيس السوداني عمر البشير أن «الصين أوفت بالتزاماتها وخففت أعباء ديونها لأفريقيا وأقامت مشاريع في مجال الطاقة والري والبنية الأساسية والتدريب... وهو جهد مخلص لمساعدة القارة الأفريقية في مجالات شديدة الأهمية». وقال: «نقدر دعم الصين لدولنا لتحقيق السلام والاستقرار في مناطق النزاعات في أفريقيا ودورها الفعال في حفظ وبناء السلام ودعم المتضررين، وكذلك دعمها لاتفاق السلام الشامل في السودان وجهود السلام في دارفور». وأشار إلى أن بلاده «بدأت أولى خطوات الاستعداد للانتخابات المهمة التي ستجرى العام المقبل، ليؤكد السودان إيفاءه بالتزاماته ووعوده». وعقدت أمس لقاءات ثنائية عدة على هامش المنتدى. واجتمع مبارك والبشير محادثات بعد ظهر أمس في مركز المؤتمرات في شرم الشيخ، وعرضا آخر تطورات الأوضاع في السودان، خصوصاً في دارفور، بحضور وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس الاستخبارات الوزير عمر سليمان. واستقبل مبارك أيضاً رئيس وزراء أثيوبيا ملس زيناوي، وناقشا العلاقات الثنائية والعلاقات بين دول حوض نهر النيل، كما استقبل رؤساء أوغندا يوري ميسفيني وليبيريا ايلين سيرليف وزيمبابوي روبرت موغابي.