شكلت الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري أمس، رافعة لإعلان زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مواقف حاسمة من المعضلات الحرجة التي يعيشها لبنان، وفي مقدمها مسألة فصل الوضع اللبناني عن الحرب السورية واستمرار الشغور الرئاسي ومواجهة الإرهاب والعنف الديني والحوار مع «حزب الله» والحرائق الإقليمية المحيطة بلبنان. (للمزيد) وزاد من وهج الذكرى هذه المرة حضور الحريري الابن المناسبة للمرة الأولى منذ سنوات بعدما اعتاد الظهور على جمهوره عبر شاشة كبيرة جراء مغادرته البلد في نيسان (أبريل) 2011، فألهب الحضور، إذ وصل إلى بيروت من الرياض بعد منتصف ليل أول من أمس وقال في الكلمة الوحيدة خلال المهرجان الخطابي الحاشد بالآلاف في وسط بيروت: «أنا متطرف لقوة الاعتدال، للمؤسسات وللجيش ولبناء الدولة المدنية»، رافضاً في الوقت نفسه «نقطة الوسط بين الاعتدال والتطرف». وإذ شدد على «أننا سنبقى على إرادة الاعتدال الذي ترعاه المملكة العربية السعودية»، تناول في مستهل خطابه كيف «تمكن بشار الأسد من تكسير سورية» وأوضاع العراق واليمن وليبيا... وترك فلسطين منفردة». وكرر الحريري دعوة «حزب الله» إلى الانسحاب من سورية، منتقداً سعيه لحماية نظام بشار الأسد. وقد وصف تورطه في سورية بأنه «جنون»، وانتقد التدخل في شؤون البحرين. وقال: «يتكرر الكلام عن اعتبار لبنان جزءاً من محور يمتد من إيران إلى فلسطين مروراً بسورية ولبنان. ونحن نقول: لبنان ليس في هذا المحور، ولا في أي محور، واللبنانيون ليسوا سلعة على طاولة أحد». وأوضح أن الحوار مع الحزب «ليس ترفاً سياسياً أو خطوةً لتجاوز نقاط الخلاف بيننا»، مؤكداً أنه «حاجة إسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي... ولتصحيح مسار العملية السياسية وإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى». وأكد أن «القواعد التي يرتكز عليها الحوار لا تعني أننا سنتوقّف عن السؤال أين هي مصلحة لبنان في احتقار جامعة الدول العربية، واختزال العرب بنظام بشار الأسد ومجموعة ميليشيات وتنظيمات وقبائل مسلَّحة تعيش على الدعم الإيراني لتقوم مقام الدول في لبنان وسورية والعراق واليمن». وشدد على أننا «لن نعترف لحزب الله بأي حقوق تتقدم على حق الدولة في قرارات السلم والحرب، وتجعل من لبنان ساحة أمنية وعسكرية». وحدد أسباب الاحتقان السني الشيعي برفض تسليم المطلوبين للمحكمة الدولية ومشاركة الحزب في الحرب في سورية وتوزيع السلاح تحت تسمية سرايا المقاومة والشعور بأن هناك مناطق لا تنطبق عليها الخطة الأمنية. لكن الحريري الذي أشار إلى دور كل من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في التشجيع على الحوار، أكد جدية تياره فيه، متمنياً الوصول إلى نتائج. وأوضح أن «ربط النزاع (على القضايا الخلافية) هو دعوة صريحة وصادقة لمنع انفجار النزاع». وعن الشغور الرئاسي قال إن تعطيل الاتفاق على الرئاسة «يكرس مفهوماً خاطئاً بأن البلد يمكنه أن يعالج أموره برئيس أو من دون رئيس»، معتبرا أن هذا الشغور مستمر بسبب عناد سياسي، أو صراع على السلطة. وامتدح دور رئيس الحكومة تمام سلام في قيادة عملها. ودعا إلى «ترجمة الإجماع الوطني ضد الإرهاب وحول الجيش اللبناني والقوى الأمنية وتضحياتها العظيمة، بتقديم المصلحة الوطنية على أيِ مصالح فئوية أو خارجية». وقال: «النموذج العراقي بتفريخ ميليشيات وتسليح عشائر وطوائف وأحزاب وأفراد لا ينفع في لبنان، وتكليف طائفة أو حزب مهمات عسكرية هو تكليف بتسليم لبنان إلى الفوضى المسلّحة والفرز الطائفي». وأضاف: «دعمنا للجيش والقوى الأمنية غير مشروط وبلا حدود، وهو مقرون بخطوات عملية تضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الذاتية والحزبية والطائفية». ووجه كلامه إلى المسيحيين والمسلمين في سياق تشديده على التطلع إلى الدولة المدنية بالقول: «حرية المعتقد مضمونة بالدستور لكل فرد، في بيئته وفي الجامع وفي الكنيسة، أما الدولة فهي مكان التقاء الجميع من دون تفرقة ولا تمييز». وكان الحريري تلقى صباح أمس اتصالين من كل من رئيس البرلمان نبيه بري وسلام هنّآه فيهما بسلامة العودة. وينتظر أن يعقد الحريري سلسلة اجتماعات مع القيادات السياسية اللبنانية حول مسألة الشغور الرئاسي والأوضاع في البلاد، إضافة إلى لقاءات مطولة مع قادة قوى 14 آذار وتياره.