طرح الرئيس السابق للحكومة اللبنانية زعيم «تيار المستبقل» سعد الحريري، مبادرة في اتجاه «حزب الله» مفادها ان تشكل حكومة من غير الحزبيين تهتم بشؤون الناس، على ان يكون الحوار بين الأفرقاء حول طاولة الحوار، رافضاً تغطية قتال الحزب في سورية. وشدد على ان «البند الوحيد» المتبقي على جدول أعمال الحوار هو السلاح. وتوجه الى جمهور «المستقبل» وخصوصاً منه الشباب، مؤكداً الحرص على مشروع الدولة، ومشدداً على فكرة الاعتدال تجاه محاولات وصف سنة لبنان بالتكفيريين. وكان الحريري يتحدث في كلمة متلفزة نقلت خلال إفطارات في بيروت والمناطق، واستهلها بالقول: «اشتقنا لكم... مهما قلت اشتقت لكم فالحقيقة أكبر». وأضاف: «لسنوات كنا نجتمع ونتحاور في شهر رمضان المبارك في دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من دون وسائط ومسافات. هذا العام، نلتقي عن بعد، بسبب الظروف التي تفرض علينا إلتزام الحيطة والحذر. فلعن الله تلك الظروف، ولعن الله من تسبب بها». ولفت الحريري الى أن «هناك من يعمل على جر لبنان إلى قلب العاصفة، والصواريخ التي استهدفت محيط القصر الجمهوري ووزارة الدفاع، هي رسالة إرهابية في هذا الإطار، هدفها النيل من رموز الدولة والإطاحة الكاملة بإعلان بعبدا. قبل أسابيع توجهت برسالة حذرت فيها من وصول الأوضاع الى حافة الخطر الوجودي، ودعوت كل اللبنانيين الى التفكير في المنابع الاصلية لهذا الخطر، وحملت حزب الله تحديداً، المسؤولية المباشرة عن تفاقم الاحتقان، بعدما خرق كل الأصول والقواعد التي ترعى الحياة الوطنية، وأعطى لنفسه، متجاهلاً معظم اللبنانيين، حقوق الدول في اتخاذ القرارات المصيرية. وأردنا من الرسالة أن نفتح ثغرة في جدار مسدود، يرتفع يوماً بعد يوم، ليرسم حدود الشقاق والافتراق في حياتنا الوطنية. فنحن لا نهوى مناصبة حزب الله أو اي طرف لبناني العداء، بل نتطلع الى اليوم الذي تستقيم فيه العلاقات بين الإخوة وابناء الوطن الواحد، ونلتقي على كلمة سواء في دولة حقيقية تحكمها المؤسسات الدستورية، ولا تعلو فيها اسلحة الطوائف على صوت الشرعية». وقال الحريري: «تعلمون أننا أكثر الأطراف السياسية انفتاحاً على ابتكار الحلول في سبيل حماية الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية. تاريخنا في هذا المجال عريق، حتى بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هل تتذكرون كيف تعامل حزب الله مع جريمة الاغتيال؟ والتظاهرة التي نظمها في 8 آذار والتي شهدت عملية التسلم والتسليم بين النظام السوري في لبنان وبين حزب الله. في ذلك اليوم غرس حزب الله مع الأسف، نبتة الاحتقان المذهبي في لبنان، فيما ذهبنا من جانبنا الى الرابع عشر من آذار، الذي كان بشهادة كل الدنيا، يوماً وطنياً بامتياز، لا سابق له في حياة البلاد. ومن 8 آذار 2005 الى 7 ايار 2008، كنا نمارس سياسة لملمة الجروح، ونقدم الحوار على الخلاف السياسي، فكان الاتفاق على منع الفراغ في رئاسة الجمهورية، وكان مؤتمر الحوار الوطني بدعوة من الرئيس نبيه بري، وكانت الانتخابات النيابية وحكومات الوحدة الوطنية، وصولاً إلى الإنفتاح المشؤوم على النظام السوري. كل ذلك ذهب أدراج الرياح. لماذا؟ لأن حزب الله وفي ذروة الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية، التي يقول إنه تقدم بها الى مؤتمر الحوار الوطني، اتخذ قراراً استراتيجياً أحادياً بخوض حرب تموز بمعزل عن الدولة اللبنانية. ولأن الحزب أطلق بعد ذلك موجة التخوين، ولأن الحزب لم يبادر لموقف مسؤول من الاغتيالات التي استهدفت قيادات 14 آذار، ولأن الحزب قرر تعطيل المجلس النيابي لتعطيل الاتفاق على المحكمة الدولية ولأن الحزب فشل في فرط الحكومة فلجأ إلى محاصرة السراي والاعتصام المفتوح في قلب بيروت، ولأن الحزب رفض تسليم المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولأن الحزب أراد ان ينشر منظومته الأمنية في كل المناطق اللبنانية وبمعزل عن الدولة ومؤسساتها المعنية أيضاً، ولأن الحزب رأى في اجتياح بيروت وتفعيل مناخات الفتنة في 7 ايار يوماً حضارياً ومجيداً». الحوار ورأى الحريري ان «نبتة الاحتقان التي زرعت في 8 آذار، تحولت إلى شجرة خبيثة في 7 أيار، الاحتقان إذاً ليس وليد الساعة ولا هو وليد الاحداث في سورية، بل فعل تراكمي لمجموعة من السياسات التي جعلت من الدولة، الركن الأضعف في المعادلة الداخلية في ظل سلاح يعبر يومياً عن فائض القوة على قاعدة أن ليس هناك لا رئيس جمهورية، ولا حكومة مسؤولة، ولا مجلس نواب معني بالحرب والسلم ولا مؤسسات عسكرية وأمنية أعطاها الدستور الحق الحصري في حمل السلاح الوطني، ولا وثيقة وفاق وطني أقرت في الطائف ولا مؤتمر حوار وطني أصدر برئاسة رأس البلاد إعلان بعبدا». وقال: «هذا الواقع المؤلم لا يغيب عن تفكيري لحظةً واحدة. وفي كل لحظة أطرح على نفسي السؤال الصعب: كيف هو السبيل لحماية لبنان من الانهيار الاهلي والاجتماعي؟ وماذا يجب أن نفعل في ظل السلاح الذي ينتشر في كل زوايا البلاد؟ استنفدنا كل الوسائل في سبيل تقليص مساحة الخلاف الداخلي، من الحوار الوطني، الى تأليف الحكومات، الى المصالحات الى التنازلات السياسية، الى الاجتماعات الثنائية، الى اتفاق الدوحة، الى اعلان بعبدا، الى التهدئة الإعلامية. لكن كل ذلك كان يدرج في نطاق المسكنات التي لا تعالج أساس المشكلة». وزاد الحريري: «منذ ايام سمعت دعوات الى الحوار لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية. ولا أدري إذا كان المقصود الاستراتيجية الدفاعية في مواجهة العدو الاسرائيلي أو الاستراتيجية الدفاعية في مواجهة الشعب السوري. هل المطلوب من سائر القوى السياسية أن تذهب الى طاولة الحوار الوطني، على قاعدة أن قتال حزب الله في الداخل السوري، هو أمر واقع على الآخرين الإقرار به وتوفير التغطية السياسية لقرار الحزب بجر لبنان الى الحريق السوري؟ إنني أرى بكل بساطة أن ما سمعناه عن الحوار هو مجرد كلام للاستهلاك المحلي، ومحاولة للإلتفاف على المناخ الوطني العام، بوجوب معالجة قضية السلاح غير الشرعي ووقف كل أشكال التورط في المسألة السورية». وتابع الحريري: «على رغم ذلك، هذه مناسبة لنؤكد فيها التزامنا نهج الحوار، كوسيلةٍ لا غنى عنها لمحاصرة التوتر المذهبي. فنحن لم نكن في يوم من الايام من حملة السلاح، أو من دعاة اللجوء الى القطيعة بين اللبنانيين. لم نتخل عن الحوار كضرورة وطنية، وعن ايماننا القاطع بأن سياسات الإلغاء في لبنان هي ضرب من ضروب المستحيل. وهذا الامر يعطينا الحق بإجراء مقاربة لموضوع الحوار، تأخذ في الاعتبار التجارب الماضية والنتائج التي انتهت اليها جلسات الحوار، والأسباب العميقة للانقسام الوطني». سلاح المقاومة واعتبر الحريري ان «المنطق في شأن الاستراتيجية الدفاعية القائم على حاجة لبنان إلى سلاح المقاومة في مواجهة المخاطر الاسرائيلية، باعتباره سلاحاً يحقق توازن الرعب مع العدو، فقد صلاحيته لأسباب كثيرة، منها انه تحول بعد حرب تموز، إلى قوة ضغط على الحياة السياسية، والى وسيلة من وسائل ترهيب الخصوم السياسيين، على صورة ما جرى في 7 ايار في بيروت والجبل، وما جرى في يوم القمصان السوداء، وما جرى في محيط صيدا ومنطقة عبرا أخيرا، وانه تسبب في إعادة إنتاج البؤر المسلحة، تارة بداعي قيام السرايا المسلحة للدفاع عن المقاومة، وهي في الحقيقة سرايا الفتنة، وتارة أخرى بداعي الحق في امتلاك السلاح أسوة بالحق الذي أعطي لحزب الله». ولفت الحريري الى أن وجهة استخدام هذا السلاح تحولت من القتال ضد العدو الاسرائيلي الى القتال ضد الشعب السوري، يطرح علامات استفهام كبرى حول مخاطر الارتكاز إليه في مناقشة اي استراتيجية دفاعية - فأي توازن رعب هذا الذي يجري الحديث عنه مع العدو الاسرائيلي، وهناك سلاح يتولى إثارة الرعب في الحياة السياسية اللبنانية، ويقيم شراكة علنية مع نظام بشار الاسد في الحرب السورية-، والأهم من كل ذلك، إن هذا السلاح أصبح منذ العام 2005، موضوع خلاف واسع بين اللبنانيين، وسبباً مباشراً من أسباب الإنقسام الوطني... سيقولون إن موقفنا يصب في خانة القرار الأوروبي والضغط الخارجي على المقاومة. لكن ذلك لن يؤثر على نظرتنا إلى اساس المشكلة، منذ 2005. لأن الذي يعنينا هو أن نوفر مقومات الحماية للبنان، على الأسس التي كرسها اتفاق الطائف، والمبادئ التي وردت في إعلان بعبدا». وقال الحريري: «لن يكون هناك اي معنى لسياسات المقاومة والممانعة ونظريات توازن الرعب الاستراتيجي، اذا لم تكن هناك دولة في الأساس اسمها لبنان. فلبنان لن يعيش، ولن تتوافر له عناصر الأمان، في ظل غابة السلاح التي تتوسع على حساب الدولة والشرعية والسلم الأهلي، وكذلك في ظل سياسات رعناء، لا تبالي تجاه توريط البلاد في حروب خارجية، تارة بداعي حماية المقامات الدينية أو حماية اللبنانيين على الحدود، وطوراً بدعوى مكافحة الخطر التكفيري، والمشاركة في الحملة الايرانية لمنع سقوط بشار الاسد. وهذا القرار، أليس قراراً استراتيجياً أيضاً؟ لا مخرج للبنان من النفق الذي هو فيه، ولا مخرج لنا جميعاً، طوائف واحزاباً ومناطق، من رمال التوتر والاحتقان الطائفي، إلا بغلبة الدولة على فوضى السلاح وإلا بحصرية استخدام السلاح بيد الدولة. ونحن في هذا المجال نرفض اي شكل من أشكال الانتقائية. لا يوجد سلاح غير شرعي... «بسمنة» وسلاح غير شرعي... «بزيت». كل سلاح غير شرعي هو أداة من أدوات الفوضى والفتنة». وأشار الحريري الى خطاب الرئيس ميشال سليمان في عيد الجيش واعتباره ان سلاح المقاومة تخطى الحدود اللبنانية، والى انه يلتقي مع مواقف صدرت عن مجلس المطارنة الموارنة والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وقال: «نحن مع هذه المقاربة لمسألة السلاح غير الشرعي»، مؤكداً ان هذا السلاح ينتج دولة عاجزة... «عن إجراء انتخابات نيابية، وتشكيل حكومة، وعن انتظام جلسات مجلس النواب، وعن تأمين النصاب للمجلس الدستوري، وعن تعيين قائد جديد للجيش، ويريدونها عاجزة عن انتخاب رئيس للجمهورية بعد تسعة أشهر». اعادة الاعتبار للدولة ولفت الحريري الى قتال «حزب الله» في سورية، معتبراً انه «ينطلق من فرضية أن النظام باقٍ... لكن هناك فرضية ثانية وهي أن النظام سيسقط، وأن بشار الاسد سيرحل. ماذا سيقول الحزب عندها للبنانيين؟ ماذا سيقول إلى أهالي الضحايا الذين سقطوا بالعشرات في سورية؟ ماذا سيفعل إذا سقط النظام وطار بشار؟ هل سيعلن مواصلة الحرب ضد النظام السوري الجديد؟ أم أنه سيطالب الدولة اللبنانية باعتماد سياسة النأي بالنفس عن النظام الجديد؟ حزب الله بالمحصلة، قام بخطوة في المجهول. خطوة لا تقيم أي حساب لمصلحة لبنان، ولأرواح المئات من أبناء الجنوب والبقاع والضاحية، ولمصالح كل اللبنانيين، من دون استثناء». ورأى أن هذا الواقع، لا يعالج بحوار المسكنات، إنما بوضع الإصبع على اساس المشكلة. ونحن سنكون مع كل القوى الحليفة، في طليعة الساعين إلى اتفاق تاريخي، يعيد الاعتبار للدولة ويؤكد حصريتها في قرار امتلاك واستخدام السلاح. وعلى هذا الأساس نريد للجيش، أن يكون الملاذ الحقيقي للاستقرار الوطني والأداة الحصرية لاستراتيجية الدفاع عن السيادة والحدود والثروة الوطنية. والملاذ الحقيقي يحتاج الى احتضان وطني جدي، بعيداً عن محاولات الاختراق وسياسات الهيمنة. فلنخرج الجيش من زواريب الطوائف والمذاهب. ولنسلم الجيش والقوى الأمنية راية الدفاع عن لبنان وصون الوحدة الوطنية». وقال: «نريد الجيش لكل لبنان، لا شريك له في حمل السلاح سوى القوى الأمنية الشرعية». وأعرب عن أمله بأن لبنان سينجو من الضغوط التي يعاني منها، ومشروع تفكيك الدولة لن يكتب له النجاح والاستمرار، طالما استطاعت إرادة الاعتدال أن تعلو على التطرف»، مخاطباً الجمهور بوصفه «جيش الاعتدال». الدعوة الى العودة وأشار الحريري الى ان هناك دعوات لعودته الى رئاسة الحكومة، مؤكداً ان الرئيس المكلف تمام سلام «حائز على ثقتنا، وأهل لقيادة حكومة جديدة تتقدم على كل المصالح الفئوية والحزبية. ومن يريد أن يساعد على تشكيل الحكومة عليه أن يتعاون معه». وقال ان «الجميع يعرف ان المشكلة الأساسية هي السلاح، وانها لا تحل على طاولة مجلس الوزراء بل انها تفجره»، مؤكداً رفضه صيغة «الجيش والشعب والمقاومة» وكذلك تغطية اي طرف «سيقول غطوا غرقي في سورية... والنتيجة، ستنفجر الحكومة، ولن تستطيع حل مشاكل الناس وما أكثرها». وسأل عما حدث في الملفات المعيشية والاقتصادية منذ سنتين، مؤكداً انه لم يبق على جدول اعمال الحوار الا بند السلاح «بفروعه الداخلية والخارجية». وأعرب عن استعداده للحوار متى دعا اليه سليمان، مشدداً على ضرورة الا تكون الحكومة حكومة متاريس. وقال الحريري: «يتهموننا بأننا طالبو سلطة، وعندنا شهوة السلطة. ونحن نقول اننا مستعدون للتضحية وألا نشارك في الحكومة، فافعلوا بالمثل لمرة واحدة». ودعا الى حكومة تعالج الأمور العادية، و «تفضلوا الى طاولة الحوار عند فخامة الرئيس لنعالج المشكلة الرئيسية، ومن ثم تأتي الانتخابات النيابية... نحن لا نرفض مشاركة حزب الله في الحكومة بل نطلب الا نشارك نحن ولا هو فيها لتعالج امور الناس هذه مبادرتي لحزب الله في الموضوع الحكومي». كلام ل «المستقبل» وتابع الحريري: «عندي كلام اريد قوله لتيار المستقبل وجمهوره ويجب ان يسمعه كل اللبنانيين... بشار الأسد قرر من حوالى سنتين إن حله الوحيد في وجه الثورة السورية أن يصور كل من هو ضده انه من القاعدة، وتكفيري ومتطرف وعنفي وعنيف، ولا يريد دولة، وجزء لا يتجزأ من المحاولة الفاشلة بإذن الله، إن يصور السنّة بلبنان على أنهم متطرفون وتكفيريون وعنفيون، ولا يريدون دولة. وللمرة الألف أقول نحن تيار رفيق الحريري... تيار وطني، مدني، ديموقراطي، بيرفض العنف ومشروعه الوحيد هو الدولة... لا نخرج عنها والجيش أولادنا وأخواتنا». وهنأ بعيد الجيش، مؤكداً انه «حتى عندما يكون هناك خطأ ضدنا نكون مع الجيش... وقفنا مع الجيش في صيدا بعدما تعرض لهجوم مجرم وجبان من مجموعة جننها سلاح حزب الله لتحمل سلاح وتديره ضد الجيش». وشدد على أهمية ايمان الشباب بمشروع الدولة، مهما بدا صعباً في ظل الأوضاع الراهنة.