أوصى مؤتمر حركة التأليف والنشر الذي عقدته، أخيراً في بيروت، مؤسسة الفكر العربي، تحت شعار «كتاب يصدر... أمة تتقدم»، بعقد قمة عربية ثقافية. وفوَّض المؤتمرُ الأميرَ خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي، بتوجيه الدعوة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، لعقد هذه القمة العربية الثقافية. وجاء في الرسالة التي وجهها الأمير خالد إلى السيد عمرو موسى: «إن الأزمة الثقافية ليست أقل خطورة على المجتمع العربي من الأزمة الاقتصادية (التي خصِّصت لها قمة عربية اقتصادية عقدت أخيراً في الكويت)، وإن اختلفت مظاهرها وتباينت آثارها وانعكاساتها». وعبّر الأمير خالد في رسالته إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن الأهمية الكبيرة التي ستكون للقرارات التي ستصدر عن القمة العربية الثقافية باسم قادة الدول العربية، والتي من شأنها «أن تضع قضية التنمية الثقافية في مدارها الصحيح، وتستحث جميع القوى ذات الصلة، من أفراد ومؤسسات وحكومات، لتضطلع بأدوارها وتتحمل مسؤولياتها في التصدّي لحالة النكوص الثقافي». وتقدم الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، في أعقاب اجتماعه الأخير في العاصمة الليبية طرابلس، بالاقتراح نفسه، موضحاً الأسباب التي تدعو بإلحاح، إلى عقد مؤتمر قمة عربي يخصص للقضايا الثقافية وحدها من دون غيرها من القضايا الأخرى على أهميتها. وكنت قد كتبت في السنة الماضية، مقالاً نشر لي في هذه الجريدة (الحياة : 10/4/2008) بعنوان «ثلاث قضايا من بيان قمة دمشق»، كانت أُولاها تتعلق بالعناية باللغة العربية ومسؤولية القادة العرب إزاءها. إذ كانت قمة دمشق أول قمة عربية تعنى في البيان الختامي الصادر عنها، بمصير اللغة العربية. وقلت يومها: «إن الاهتمام بمصير اللغة العربية وعلى هذا المستوى الرفيع، يعكس خطورة الوضع الذي وصلت إليه لغة الضاد في هذا العصر، ويعبر عن الشعور الذي أخذ يتنامى بأن اللغة هي رمز السيادة والتميز، وهي الحصن الحصين ضد الذوبان والتلاشي وفقدان الهوية التي هي قوام الأمم وعنوان الشعوب». ولاشك أن أزمة اللغة العربية في عمقها وجوهرها، هي جزء لا يتجزأ من أزمة الثقافة العربية بصورة عامة، وأن الانهيار الذي تعاني منه لغة الضاد، لأسباب كثيرة معلومة ومكشوفة، هو الوجه الآخر ل «النكوص الثقافي» العربي، كما ورد في رسالة الأمير خالد الفيصل. وهو الوصف الدقيق المعبر عن طبيعة أحوال الثقافة في العالم العربي، في هذه المرحلة، والتي تعكسها ثلاثة تقارير بالغة الأهمية، هي: «تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009» الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، و «تقرير المعرفة العربي لعام 2009 : نحو تواصل معرفي منتج» الصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، و «تقرير التنمية الثقافية» الصادر عن مؤسسة الفكر العربي. إن الثقافة العربية من خلال هذه التقارير الثلاثة، تبدو باهتة الصورة، فاقدة شروط تجديد البناء الحضاري والتأسيس لنهضة ثقافية تعيد الوزن والاعتبار والقيمة للثقافة العربية. فالثقافة هي أولاً وقبل كل شيء، وكما كتبت تحت هذا العنوان (الحياة: 22/10/2009)، إرادة سياسية حازمة وقادرة على تنفيذ السياسات الثقافية في مختلف المجالات، وعلى النحو الذي يخدم أهداف التنمية الشاملة المستدامة، من منطلق أن الثقافة هي استثمار في الموارد البشرية، واستثمار في المواد الطبيعية في الآن نفسه، إلى جانب أنها استثمار للمستقبل. أي أن الثقافة هي قضية استراتيجية في المقام الأول. إن أزمة الثقافة العربية تعكس أزمة القيم، وأزمة الهوية، وأزمة الموقع في الخريطة الدولية. بل أستطيع القول إن الأزمة الثقافية في العالم العربي الإسلامي، عموما، هي أحد الأسباب الرئيسَة للأزمة الحضارية التي تطبع هذه المرحلة من تاريخ العرب والمسلمين والتي منها تنبثق جميع الأزمات السياسية والاقتصادية والصناعية والعلمية والتقنية والفكرية والإبداعية. وكما كتبت في وقت سابق (الحياة: 26/2/2007) تحت عنوان: «اللغة العربية قضية استراتيجية»، ف «إن قضية اللغة العربية لا تمس الأمن الثقافي والحضاري للأمة فحسب، بل هي تمس سيادة الدول العربية والإسلامية وأمنها العام واستقرارها الوطني»، و «إن حساسية الموضوع وخطورة الوضع تستدعيان بحث قضية اللغة العربية على اعلى مستويات اتخاذ القرار العربي والإسلامي في مؤتمر القمة العربي، وفي مؤتمر القمة الإسلامي»، فإنني اليوم أتجاوب مع الاقتراح الوجيه الذي تقدمت به مؤسسة الفكر العربي، بدعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى السعي من أجل عقد مؤتمر قمة عربي حول قضايا الثقافة. وكلنا يعلم أن الأمين العام لجامعة الدول العربية ليس من اختصاصاته، الدعوة إلى عقد القمة، وإنما له أن يقترح على الدول الأعضاء، أو أن تتقدم إحدى الدول باقتراح ينظر فيه مجلس وزراء الخارجية لاعتماده. ولذلك أقترح على الأمير خالد الفيصل أن يبذل مساعيه، باسم مؤسسة الفكر العربي، لإقناع الدول العربية، أو عدد منها على الأقل، بتبنّي هذه الفكرة الوجيهة. صحيح أن وزراء الثقافة في الدول العربية وفي دول منظمة المؤتمر الإسلامي، يجتمعون دورياً، بدعوة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - ألكسو -، وبدعوة من المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو - التي تنسق مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في تنظيم المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة. وصحيح أن وزراء الثقافة في العالم العربي الإسلامي يبحثون في مؤتمراتهم قضايا ثقافية متعددة. ولكن القرارات التي تصدر عنهم تحتاج إلى دعم سياسي قوي من أعلى المستويات، حتى تكون تلك القرارات مندمجة في السياسات الوطنية العليا، باعتبارها قرارات استراتيجية تخدم «الأمن الثقافي»، و «السيادة الثقافية»، و «الخصوصيات الثقافية» التي هي الأساس المتين للخصوصيات السيادية وللضرورات الأمنية للدول كافة. والظروف الحالية التي يمرّ بها العالم العربي تستدعي الإسراع في اتخاذ الخطوات التمهيدية للدعوة إلى عقد مؤتمر قمة عربي في إحدى الدول العربية، لمعالجة إحدى القضايا الكبرى المعقدة، ألا وهي قضية النهوض بالثقافة العربية وتجديد بنائها وتفعيل رسالتها، بإرادة سياسية حازمة وقادرة ومسؤولة. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – «إيسيسكو»