كتبت في 17 من هذا الشهر عن اعتقال المخرج العالمي رومان بولانسكي في سويسرا بتهمة اغتصاب بنت صغيرة، وأعود اليه مع نهاية الشهر للأسباب نفسها، وهي وجود من يدافع عنه رغم فظاعة الجريمة. ففي سنة 1977، والمخرج في الرابعة والأربعين، استدرج بنتاً في الثالثة عشرة وأعطاها مخدراً وشمبانيا واغتصبها في شكل بشع لا أستطيع التلميح الى تفاصيله في جريدتنا هذه، ثم فر من كاليفورنيا الى أوروبا قبل صدور الحكم عليه، وبقي بمنأى من قبضة العدالة 32 سنة حتى سقط. في الأشهر الأخيرة كتبت أيضاً عن الفيلسوف الفرنسي برنار - هنري ليفي، فقد شنّ مع تجار محرقة مثله من نوع ايلي فيزل حملة ضد وزير الثقافة المصري فاروق حسني الذي كان مرشحاً لمنصب المدير العام لليونيسكو، وهو مع عصابة من الاعتذاريين الاسرائيليين روّجوا كذبة أن حسني يحرق الكتب مع أنه لم يحرق كتاباً في حياته ويستحيل أن يفعل. وكان ليفي قبل ذلك زعم في مؤتمر أن العرب شاركوا في المحرقة النازية، مشيراً الى الحاج أمين الحسيني وذنبه أنه ذهب الى ألمانيا سنة 1941، قبل أن يُسمع عن المحرقة، وقبل أن يبدأ «الحل النهائي»، وقابل هتلر على طريقة «عدو عدوي صديقي»، فهو كان يريد مساعدة لإنهاء الاستعمار البريطاني في فلسطين التي انتهت وقد استعمرها اليهود. وتقاطعت طرق بولانسكي وليفي وهذا ينتصر للمخرج في شكل يتجاوز أن كلاً منهما يهودي فرنسي، ولا يزال يدافع عنه مع مجموعة من السينمائيين والمفكرين والمثقفين أمثاله رغم فظاعة الجريمة. وكنت أشرت الى دفاع ليفي الوقح عن وحش جنسي في مقالي السابق وأعود الى الفيلسوف الكريه بعد أن تفوق على نفسه في مقال جديد يدافع عن بولانسكي. المقال كان عنوانه «من أجل بولانسكي» ونشره موقع «هنتنغتون بوست» الراقي في 27 من هذا الشهر وبقي على الموقع أياماً. وليفي يقول إن الوقت يمضي وبولانسكي لا يزال في السجن، ويتحدث عن زيارة أسبوعية له من زوجته وولديه، وعن فقدان بعض أنصاره الأمل في اطلاقه وتسرّب الشك الى نفوسهم، حتى ان وزير الثقافة الفرنسي أُقنع بأنه تسرع في الدفاع عنه. أتوقف هنا لأقول إن الوزير فريدريك ميتران كان اعترف في مذكراته الصادرة سنة 2005 بأنه دفع المال لممارسة الجنس مع أولاد في تايلاند، أي إنه في مثل المستوى الأخلاقي لبولانسكي. بعد ذلك يكمل ليفي بدفاع وقح أجده يدينه مع بولانسكي، فهو يقول: إن من العيب سجن رجل مسن في السادسة والسبعين بتهمة ممارسة جنس محرّم قبل 32 سنة. وأسأل: أين العيب في ذلك؟ فمثل جريمته الفظيعة لا يسقط بمرور الزمن. ويقول إن هناك في أوروبا من يقتل مسنّين، ومن يعذب غيره ويشوهه ويعرف أن الجرائم العنيفة تشمل بتخفيف الحكم بعد عشر سنوات أو 15 سنة. وفي حين لا أفهم المنطق في هذا الدفاع، فإنني أستعمله ضد الفيلسوف والمخرج، فالعدالة تقضي بأن يدخل بولانسكي السجن سنوات، ثم يشمله عفو لحسن السلوك مثلاً. وفي كل الأحوال فجريمة لا تبرر ارتكاب جريمة أخرى. ويضيف ليفي إن هناك حول العالم من يهاجم أميركا باستمرار، وإن هؤلاء سكتوا عندما اعتقل بولانسكي. وأسجل أنني من هؤلاء، فأنا أهاجم نقطة واحدة في السياسة الأميركية هي تأييد دولة احتلال فاشستية تقتل النساء والأطفال، ثم أؤيد أميركا ضد إرهاب القاعدة، ولا أجد خطأ البتة في اعتقال وحش جنسي فار من العدالة. ليفي يبدأ كل فقرة من مقاله تقريباً بعبارة «من العيب كذا»، و «من العيب كيت...» ويعيب شخصيات بارزة حول العالم لمجرد مطالبتها بالعدالة. ويحتفظ الكاتب بأحقر دفاع ممكن حتى نهاية المقال، فهو يقول إن من العيب ونحن نتحدث عن حياة بولانسكي ألاّ نذكر طفولته في الغيتو وموت أمه في أوشفيتز وقتل زوجته الشابة الحامل (عصابة ماتسون قتلت زوجته الممثلة شارون تيت). العيب على ليفي قبل غيره هنا، فهو يهين ذكرى المحرقة بجعلها عذراً لاغتصاب بشع تفاصيله مروعة، ولو قبلنا منطقه لأعطينا الناجين من ضحايا المحرقة رخصة للاغتصاب وعدم الملاحقة. أرجو من القارئ أن يفكر في منطق ليفي في الدفاع عن المغتصب المعترف رومان بولانسكي، فهو المنطق نفسه الذي يستعمله في الدفاع عن دولة الجريمة المغتصبة التي سرقت فلسطين وقتلت أهلها وشردتهم ولا تزال تفعل.