ها أنتِ لحقتِ بالركب، وانضممتِ إلى قافلة ضحايا العنف الأسري السادي وغير المبرر. أعلم يا ابنتي أنك لن تعودي للحياة، ولن تكفيك كل عقوبات البشر عن عذاباتك، ولا أيامك السوداء التي عيشتها بمفردك، وجسدك الصغير لا يقوى على التحمل، أسمع أحياناً صوتك المخنوق، وأسمع آهاتك المخنوقة، وأرى دموعك التي ملأت وسادتك، هذا لو كنت تنامين على وسادة فعلاً كبقية مخلوقات الله، وأعلم أنه ربما قرصك الجوع والعطش، وأنت لا تجدين صدر أم حقيقية تخبئين جسدك فيه، ولا يديها الحنونة التي تمسح عن وجهك دموعك. قد يسعدك قليلاً الحكم على من أذاقك كل ما سبق عن تعمد وترصد ونية مبيتة، ولكنني أعلم يا ابنتي أن الغضب أصابك كما أصابني وأصابنا جميعاً، عندما تعلمين أن أمك الحقيقية قد تتنازل عن المجرمين، لأنها تتفهم أن معذبتك (أم ولها أطفال) يحتاجون لها، وأنها قد تسامح الشريك الثاني الذي نال فقط 15 عاماً، والذي هو والدك الذي لم تهتز رموشه، وهو يراك حائرة ومعذبة ومنتهكة، لأنها كما صرحت منذ اللحظات الأولى التي شاهدتك فيها في ثلاجة الموتى، وبالكاد تعرفت عليك، تنازلها لوجه الله كما أفادت، لأن عقوبة من سامك العذاب لن تعيدك للحياة، ولأنها تتفهم! لا تغضبي يا كلثوم، وأضيفي تصريحها إلى سلسلة آلامك، التي قد لا نستطيع تخيلها، فلربما كانت والدتك تطمع في تعويض مادي تعيش منه مُرفّهة، حتى لو كانت مغموسة برائحة دمائك وصراخك، الذي لم تسمعه ولم تشعر به يوماً! فلا تستغربي ولا تجعلي حزنك كما غمرنا يغمرك، بعد تصريحها الغريب والخالي من المنطق، ومن الأمومة قد تتنازل أم عن قاتل ضناها لو كانت حادثة الوفاة، عرضاً وضرب خطأ أفضى إلى وفاة، وأبدى القاتلون ندمهم الشديد على خطأ غير مقصود، وعندما تكون الحادثة خالية من الترصد والنية المبيتة على جسدك الصغير، ولكن مليون سؤال أضعه أمام والدتك وخالك، الذي يشاركها الرغبة في التنازل، ونحن لن نقبل تنازلك ولا تنازله اللذين يثيران الشكوك، فالجريمة وقعت لطفلة على أرض سعودية، بل في أشرف بقعة على وجه الأرض، وإذا كانت والدتك لا يقتلها الحزن كما قتلنا وأدمى قلوبنا، فنحن أمهاتك ولن نقبل إلا بحرمانهما من الحياة كما حرماك طفولتك يا كلثوم يا ابنتي! [email protected]