بينما كان الفقيد الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز يرتب بيت الحكم عقب وفاة خادم الحرمين الشريفين ملك السعودية الأسبق في صيف 2005، كانت البلاد تلقت ضربات إرهابية من تنظيم القاعدة كتفجيرات 2003 في العاصمة السعودية الرياض، ما جعل وقت تولي الراحل لسدة الملك في السعودية حرجاً ودقيقاً للغاية، فمعركة مواجهة الإرهاب على أشدها، هذه الأحداث صنعت عزيمة كبيرة لاجتثاث الفكر المتطرف من الوسط السعودي، وبعد توليه مقاليد السلطة بفترة قصيرة استطاع اجتثاث التنظيم الأخطر عالمياً في ذلك الوقت من بلاده. أحداث الإرهاب الذي عصف بالمملكة في تلك الحقبة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، جعلت من الراحل مدركاً لأهمية إصلاح الخطاب الديني، فعمل على إشاعة الوسطية في المجتمع السعودي وخصوصاً في المناهج التعليمية، لقد عاش الملك الراحل سلسلة من الصراعات مع الفكر المتصلب في فهم مقاصد الشريعة، وتسلح في ذلك الوقت بفريق عمل من الفقهاء (من مختلف المذاهب الفقهية) ما صنع تنوعاً، وكانت الخطوة إذعاناً لبدء مرحلة جديدة في الخطاب الديني. استمر الملك الراحل في حربه على التطرف، ففي عهده استطاعت المرأة أن تجد منصباً قيادياً كنائبة لوزير التربية والتعليم في 2009، بعدما كانت ألغام فتاوى التحريم تحاصرها، فيما مضى على قرار تعيين الدكتورة الفايز في المنصب الرفيع بضعة أعوام حتى وجدت 30 امرأة طريقهن لمجلس الشورى في خطوة تعد الأهم في تاريخ المرأة السعودية منذ عقود من الزمن، بينما كان مراقبون يرون أن إرث الخطاب المتشدد في السعودية يحول دون تحقيق إصلاحات سياسية وحقوقية، أثبت الراحل بحسب مختصين عزم الدولة على السير قدماً نحو التقدم بسلاح العلم والتنوير. في ظل انتشار الحركات الأصولية المتطرفة في العالم العربي، وصعود تيارات الإسلام السياسي بعد أحداث الربيع العربي، واجه العاهل السعودي الراحل تلك الأخطار بمواجهة قوية مع منابت الإرهاب تنظيماً وفكراً، فأصدر قراره الأخير بوضع عدد من الجماعات الأصولية المتطرفة على قائمة الإرهاب في بلاده، وسط تجريم لكل من يثبت انتماؤه لها أو حتى دعمه، في خطوة وُصفت في أكثر من صعيد سياسي ب «الوقاية» للمملكة النفطية التي عانت من ضربات الجماعات الإسلامية المتطرفة لأعوام. ويرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور أنور عشقي أن الملك عبدالله رحمه الله كان صاحب فكر بعيد المدى، ونظر ثاقب في مسألة الإرهاب، إذ جعل له قواعد مبنية على أسس دقيقة وسليمة، إذ لم يصف الإرهابيين من أبناء الوطن ب «الإرهابيين» ولكن وصفهم ب «الفئة الضالة»، مضيفاً: «لأنه يعلم أنهم نشأوا على الكتاب والسنة ووُجد من ضلهم، ولم يجعل الحرب بين الدولة والإرهابيين، ولكن جعل الخصومة بين الإرهابيين والعدالة، ففي عهده انتقلت الدولة من حال الدفاع ضد الإرهاب إلى حال الهجوم، ومنها إلى الهدوء الذي يعنى بالعمل الاستباقي قبل حدوث الهجوم». ويعتبر عشقي أن مكافحة الإرهاب في عهد الملك الراحل جهود أقل ما توصف بأنها مبدعة، إذ أخذ زمام المبادرة بافتتاح المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي كان يؤمن بأن خطر الإرهاب ليس خطراً آنياً ولكنه خطر مستقبلي يهدد العالم ككل، مشيراً إلى أن الملك سلمان يسير على خطى الملك عبدالله رحمه الله، ليبقي على استقرار السعودية، خصوصاً وأن حدودها تشتعل بالصراعات، إذ إنه يدرك سياسة السعودية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. وأكد وجود ملفات سياسية عدة ستكون موجودة بداية على طاولة الملك سلمان والتي من أهمها الملف السوري والعراقي، واليمني وغيرها من الملفات والقضايا المهمة للأمة. ولعل الراحل أدرك منذ اللحظة الأولى بأنه لا هدنة مع التطرف، وعمل في جهد متواصل لمحاربته، إذ وجه انتقاداً كبيراً لهيئة كبار العلماء لتقصيرهم في تبيان خطورة التطرف، كما أن شعبه لا ينسى عندما طل في العام الماضي في شاشتهم الحكومية متحدثاً بحسرة واضحة وبحزن عميق عن تضليل شباب سعوديين في جماعات مسلحة خارج البلاد، وصلت مخاوف الملك المحبوب لشعبه. أمير الرياض: فقدنا أباً وقائداً حكيماً يشهد له التاريخ استقبل أمير منطقة الرياض الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز، في قصر الحكم أمس (الأربعاء) منسوبي الإمارة وأمانة المنطقة والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين وجمعاً غفيراً من أهالي الرياض الذين قدموا له التعازي في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. كما قدّموا البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز. وقال أمير منطقة الرياض في كلمة خلال الاستقبال - بثتها وكالة الأنباء السعودية -: «فقدنا أباً وقائداً حكيماً يشهد له التاريخ بما أمضاه في خدمة الإسلام والمسلمين، لا أُعزي في وفاته وحدي وأنا ابن من أبنائه، بل الوطن بمواطنيه والعالم بعربه وعجمه الذين حمل همهم طوال حياته وافياً بما أملاه عليه دينه وعقيدته السمحة اتجاههم، محتسباً الأجر والثواب والدعاء بالعون في حياته والرحمة والمغفرة له بعد مماته». وأضاف: «من عظيم نعم الله علينا في هذه البلاد المباركة أننا نتلقى العزاء ونبايع في نفس الوقت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز بيعة شرعية على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره سيراً على نهج دولتنا السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود عام 1179، ومروراً بعهد موحد ومؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأبنائه الملوك البررة من بعده». وزاد بقوله: «بعون الله وتوفيقه ستستمر مسيرة الأمن والنماء والازدهار بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وولي ولي العهد، وعلى رغم مصابنا الكبير أقول لكم إنني أتابع مع زملائي مسؤولي الإمارة والأمانة والهيئة العليا حاجاتكم ونعمل على تحقيق آمالكم وتطلعاتكم على نفس النهج الذي انتهجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميراً للرياض».