إذا كان هناك أمر يستدعي قلق مراقبي شؤون كوريا الشمالية أكثر من سلوك زعيم البلاد كيم جونج ايل فهو ما الذي يمكن أن يحدث عندما يختفي. وينظر على نطاق واسع الى أن انهيار نظام كيم سيحدث لا محالة في نهاية المطاف لكن السؤال هو متى وكيف؟ وبالنسبة لأكثر المحللين فإن احتمال معاناة اقتصاد كوريا الجنوبية من تكلفة إعادة التوحيد مع كوريا الشمالية مصدر قلق أكبر بكثير من احتمال قيام حرب مدمرة وهو احتمال بعيد. وينظر للحرب على أنها مستبعدة بصورة كبيرة في حين أن إعادة التوحيد أمر سيحدث لا محالة. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تكون التكلفة هائلة. وقالت مجموعة كريدي سويس في تقرير هذا العام عن المخاطر الرئيسية التي تواجه كوريا الجنوبية "لدى تقييم احتمالات المخاطر المروعة. فإننا نعتبر حدوث فراغ داخلي في السلطة وانهيار اجتماعي في كوريا الشمالية خطرا أكثر ترجيحا يواجه الائتمان على المدى المتوسط أكثر من اندلاع خطير للعمليات القتالية." ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الشمالية نحو خمسة في المئة فقط من نصيب الفرد في كوريا الجنوبية. كما أن عدد سكانها يبلغ تقريبا نصف عدد سكان كوريا الجنوبية. ومع الوضع في الاعتبار المتاعب الاقتصادية التي حدثت نتيجة إعادة توحيد المانيا حيث كانت الفجوة بين الدخول أقل كثيرا كما أن عدد السكان الذين تم استيعابهم كان أصغر نسبيا افترض أغلب المحللين أن كوريا الجنوبية ستواجه عبئا ماليا مؤلما سيمتد أثره لسنوات. وتقدر مجموعة كريدي سويس أن تكلفة إعادة التوحيد ستبلغ نحو 1.5 تريليون دولار أي نحو مرة ونصف المرة حجم الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية على افتراض أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الشمالية سيرتفع إلى نحو 60 في المئة من نصيب الفرد في كوريا الجنوبية على مدى 10 سنوات. وكانت هناك تقديرات أخرى جعلت التكلفة تصل إلى ثلاثة أو أربعة أمثال حجم الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية. ويتوقع أغلب المحللين فترة من الصعوبات الشديدة لكوريا الجنوبية والتي من المرجح أن تستمر سنوات. غير أن بعض المحللين فندوا هذا الرأي السلبي. فقال تقرير أصدره في الشهر الماضي جوهون كوون الاقتصادي في جولدمان ساكس إنه ليس من الضروري أن تكون تكلفة إعادة التوحيد مثبطة وقال إن لدى كوريا الشمالية قدرة هائلة على النمو. كان كوون واثقا للغاية بشكل يدعو للاندهاش من احتمالات نجاح كوريا الموحدة فقال "نتوقع أن كوريا الموحدة يمكن أن تتفوق على فرنساوالمانيا وربما اليابان خلال 30 أو 40 عاما فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي إذا ما تحققت إمكانيات النمو في كوريا الشمالية." ويقول تقرير جولدمان ساكس إن لكوريا الشمالية إمكانيات قوية لم تستفد منها بعد في النمو منها الثروة المعدنية التي تقدر بنحو 140 مثلا لناتجها المحلي في 2008 . لكن توقعات كوون تستند أيضا إلى افتراض سياسي رئيسي وهو أن الاندماج الاقتصادي سيكون سلميا وتدريجيا. وكما أشار فإن تصورات أخرى ربما "يكون لها تداعيات مختلفة تماما على الاقتصاد والأسواق". وقال كوون إن النموذج الألماني سيكون مكلفا للغاية بشكل مثبط بالنسبة لكوريا الشمالية. وسيكون الخيار الأقل تكلفة هو دمج على غرار ما فعلته هونج كونج مع الصين حيث تعايش النظامان الاقتصاديان والسياسيان لدى الطرفين معا مع عدم وجود هجرة تذكر للسكان فيما بينهما. لكن في حين أن الدمج الاقتصادي التدريجي المخطط له جيدا سيكون مثاليا كما هو واضح فإن هناك عدة أسباب ربما تجعل الواقع أكثر فوضى وينطوي على درجة أكبر من المخاطر. أولا فإن أي اندماج مع بقاء نظام مستبد في كوريا الشمالية يصعب تصوره. قال ايان بريمر رئيس مجموعة أوراسيا للاستشارات في مجال المخاطر إن زعماء كوريا الشمالية لا رغبة لديهم في إنهاء عزلتهم وأشكال السيطرة الاجتماعية الصارمة لأن هذا يعني فقدهم السلطة. بل إن الأكثر ترجيحا هو فرض إعادة التوحيد فجأة على كوريا الجنوبية عندما ينهار النظام في كوريا الشمالية. وعادة ما يصنف صناع السياسات الذين يخططون لانهيار النظام التصورات المختلفة إلى مجموعتين هما "الطريق الصعب" و"الطريق السهل". وبالنسبة للطريق السهل فإنه يتصور أن القيادة العسكرية خلال عهد كيم أو ما بعده ستدرك الحاجة إلى إصلاح واسع النطاق ومباشرة هذا الإصلاح في إطار عملية إعادة توحيد تدريجية. غير أن الغالبية تتوقع "الطريق الصعب" وهو إما الانهيار الكامل للحكومة أو الأسوأ من ذلك الانحدار إلى حرب أهلية مع تناحر فصائل مختلفة على السلطة. وربما لن يكون لدى كوريا الجنوبية سيطرة تذكر على توقيت إعادة التوحيد فمن المرجح أن تتحقق وسط أزمة من المحتمل أن تظهر فيها كارثة إنسانية يتعين مواجهتها إلى جانب ضرورة وضع سياسة اقتصادية على المدى الطويل. ومن المستحيل تنفيذ الدمج التدريجي في ظل هذه الظروف. فمن غير المرجح أن يقبل أبناء كوريا الشمالية الذين خرجوا لتوهم من عشرات السنين من الحكم المستبد أن يطلب منهم الانتظار بهدوء بينما يحاول البلدان الاندماج اقتصاديا بشكل تدريجي. وربما يكون نموذج هونج كونج لا ينطبق بصورة كبيرة على كوريا إذ إن الصين تمكنت من الإبقاء على النظامين منفصلين مع فرض رقابة شديدة على الهجرة لأنها دولة مستبدة. غير أن كوريا الجنوبية الديمقراطية ستجد صعوبة بالغة في منع المواطنين في كوريا الشمالية من الهجرة جنوبا سعيا لتحسين معيشتهم دون التسبب في غضب عارم بل واضطرابات.