دخلت الممرضة غرفة الانتظار في مستشفى الولادة وقالت لعجوز تجاوز الثمانين: مبروك، لقد رزقت زوجتك الشابة بولد. وهتف الشيخ فرحاً وقال: ربما أستطيع أن أعملها مرة ثانية. وقال له أحد المنتظرين: لماذا تعتقد أنك عملتها أول مرة.تذكرت الطرفة السابقة وأنا أقرأ تحقيقاً طويلاً في مجلة احدى صحف الأحد اللندنية عن بعض المشاهير من المسنين، وقد ازدان الغلاف بصورة الممثلة أونور بلاكمان التي صدمتني بعمرها فهي في الثالثة والثمانين، إلا أنني أذكرها شابة تؤدي دور الغانية بوسي غالور في فيلم «غولدفنغر»، أحد أشهر أفلام جيمس بوند. كنت صغيراً أحلم بالحسان من نوع أونور بلاكمان، والآن أصبحت أحلم بحل قضية الشرق الأوسط، ونجاحي في حل القضية من مستوى نجاحي السابق مع الحسان. التحقيق في المجلة حمل صور أربعة من السيخ البريطانيين تتراوح أعمارهم بين 79 عاماً و 98 عاماً ولا تمنعهم من المشاركة في سباق الماراتون. وكنت قبل ذلك قرأت خبراً عن الانكليزي آلان مورتون الذي شارك في ماراتون لندن في نيسان (ابريل) الماضي، وعمره 75 عاماً، وحل سابعاً في فئة الذين تجاوزوا السبعين ثم قامت شكوك الشهر الماضي بعد مراجعة أفلام السباق مع ترجيح أنه مارس الخداع في احدى المراحل، واختار طريقاً جانبياً قصيراً. ولكن لا أحد يشك في أن جورج بوش الأب قفز بمظلة من طائرة احتفالاً بعيد ميلاده الخامس والثمانين، فقد صوره التلفزيون. الممثلة جون كولنز التي لا بد من أن بين القراء من يذكرها من مسلسل «داينستي» عمرها 76 عاماً، ومصممة الأزياء المشهورة ماري كوانت عمرها 75 عاماً، أما بطل سباق السيارات سترلنغ موس فعمره 79 عاماً. ما أغاظني في الأخبار عن هؤلاء المشاهير المسنين أن كلاً منهم لا يزال نشطاً ويمارس رياضته المفضلة، مع أنني أعتقد أن الانسان في هذا العمر إذا تحدث عن رفع الأثقال فهو يقصد النهوض واقفاً. كنت في سنوات المراهقة أنتظر بصبر فارغ الوصول الى العشرين، وبلغتها وقررت أن الثلاثين أفضل، ثم وصلت الى الأربعين وتوقفت عن عد السنوات، ثم جاء يوم تحسرت فيه على الأربعين. غير أنني رفضت أن يركبني الهمّ مع سنوات العمر وقررت أن أقلب حياتي رأساً على عقب فبعد أن كنت كئيباً قلقاً أصبحت الآن قلقاً كئيباً. الواقع أني لا أزال أستطيع أن أسخر من نفسي ومن الناس، كما يرى القارئ، وأتفق في الرأي مع امرأة قال لها الطبيب إنه لا يستطيع أن يجعلها أصغر، وردت: لا أريد أن أصغر، ولكن أريد أن أظل أكبر. هذا هو شعار المرحلة، والثمانيني قال إنه يقرأ صفحة الوفيات في الجريدة كل صباح فإذا لم يجد اسمه فيها يستأنف حياته. أنا أقرأ صفحة الوفيات لعل فيها أسماء ناس أعرفهم، وقد لاحظت في صفحة الوفيات في الزميلة «الأهرام» أن الناس يموتون عشوائياً، أما في صفحة الوفيات في «التايمز» اللندنية فهم يموتون حسب ترتيب الأبجدية. أدعو للقارئ بالمال والبنين وبأن يعيش عمر لُبَد، نسر لقمان، ثم أنقل له ما قرأت أخيراً، فقد قال حكيم لشاب إذا لم يكن الرجل وسيماً في العشرين قوياً في الثلاثين، ثرياً في الأربعين، حكيماً في الخمسين، فهو لن يكون في حياته وسيماً أو قوياً أو ثرياً أو حكيماً. وفكر الشاب وسأل: هل عندك خيارات أخرى؟ في النهاية الحياة تظل أفضل من الاحتمال الآخر. وهي بذلك مثل الزواج فحتى لو انتهى هذا بالطلاق يظل أفضل، والاحصاءات تقول إن نصف الزيجات في الغرب ينتهي بالطلاق، إلا أنها لا تقول إن النصف الآخر ينتهي بالموت. والانسان لا يحتاج أن يبلغ الثمانين ليدرك أن الدنيا تغيرت فقد سمعت رجلاً دون الخمسين يقول: لم أعد أفهم العالم. ابني يضع حلقة في احدى أذنيه. بنتي وشمت ذراعيها. زوجتي تعمل وتقبض ثلاثة أضعاف مرتبي... سأذهب الى بيت أهلي. هو لو ذهب لوجد أن أباه يشكو بدوره، لذلك يتحسر الجميع على الأيام الجميلة الماضية، مع أنهم في الواقع يتحسرون على الليالي لا الأيام، فهذه عمل وتلك سهر وسمر. ماذا بعد؟ قرأت أن الرسام الفرنسي المشهور بيار - أوغست رينوار قال يوماً: بعد أن تفقد أسنانك يصبح معك ثمن «الستيك»، أي ذلك اللحم البقري اللذيذ الطعم. وهذا مثل قول المصريين: «يعطوا الحلق للي بلا ودان»، أو قول اللبنانيين «يعطوا الحلو للي بلا سنان». عندي نصيحة لكل من بلغ الثمانين ولا يزال يقاوم أو يكابر، فأفضل طريقة لازالة الغضون من الوجه هي أن يرفع النظارات عن عينيه قبل أن ينظر الى وجهه في المرآة.