تحولت مدينة النجف، بالإضافة الى الدور الديني الذي تضطلع به لوجود المرجعيات الشيعية الرئيسية فيها، الى مركز استقطاب للقرار السياسي في العراق بعد عام 2003، خصوصاً بعد الانشقاق بين الاطراف الشيعية الرئيسية. وبسبب خصوصية هذه المدينة وأهميتها فتحت معظم الأحزاب الشيعية الرئيسية مقرات دائمة لها فيها، كي تكون قريبة من المرجع علي السيستاني باعتباره صاحب النفوذ الأكبر في الوسط الشيعي. وعلى رغم أن المرجع الشيعي نادراً ما يدلي بتصريح أو ببيان حول المواقف السياسية، إلا أن تدخله لمصلحة إقرار البرلمان قانون الانتخابات وفق نظام القائمة المفتوحة، ومن ثم تهديده بدعوة العراقيين الى عدم المشاركة في الانتخابات في حال لم يُقر هذا النظام، كان من بين التدخلات اللافتة التي أتت ثمارها سريعاً، تراجع معظم الأطراف السياسية علناً عن خيار «القائمة المغلقة». وعلى رغم ذلك لم يستطع البرلمان إقرار قانون الانتخابات بسبب استمرار الخلاف حول الانتخابات في كركوك. وأعربت المرجعية عن قلقها من عدم إقرار قانون الانتخابات الذي أحاله البرلمان العراقي الأسبوع الماضي الى المجلس السياسي للأمن الوطني، اثر خلاف على قضية كركوك. وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل السيستاني في كربلاء، في خطبة الجمعة أول من أمس: «أنقل لكم قلق المرجعية العليا من عدم إقرار قانون الانتخابات». وقال مدير مؤسسة البتول لنشر علوم أهل البيت، المدعومة من المرجعية، ضياء البطاط ل «الحياة» إن «المرجعية الدينية ليست جهة سياسية. لهذا فإن لها وسائلها الخاصة في التعاطي مع المقلدين من خلال المساجد. أما أسلوب الإعلام المعروف فهو يُستغل من قبل السياسيين للتواصل مع الناس». ولفت الى أن «بعض السياسيين عمد الى استغلال اسم المرجعية لأغراض سياسية في أوقات سابقة، لكن هذا الاستغلال لن يكتب له النجاح اليوم». وقال الشيخ جبار الخزاعي، أحد طلاب الحوزة العلمية المقرب من مكتب السيستاني، ل «الحياة» ان «نفوذ وحضور السيستاني الآن أكثر من السابق. وأصبح تأثيره في الشارع السياسي العام وفي مراكز القرار داخل الحكومة أعمق، بدليل استمرار توافد المسؤولين العراقيين قبل إجراء الانتخابات وفي القضايا الحساسة إليه لاطلاعه على المستجدات وأخذ المشورة». وأشار مصدر مقرب من مكتب السيستاني الى أن «عدم تدخل المرجع في القضايا السياسية في شكل تفصيلي لا يعني ابتعاده عن الواقع العراقي والشأنين الداخلي والخارجي، بل تجده يرشد ويوجه وينصح وحتى ينتقد. فوجوده هنا أبوي وإرشادي». وفي إشارة واضحة الى تصاعد مستوى السجال السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية مطلع العام المقبل، بدأت الكتل والائتلافات الشيعية الكبيرة افتتاح مقرات جديدة لها في النجف. وقال القيادي في مكتب «حزب الدعوة» في النجف عماد الخفاجي انه «لا توجد صراعات، بمعنى الاقتتال، بين الاطراف الشيعية، بل اختلافات في الرؤى. وهذا شيء مشروع في العمل السياسي». وأشار الى «تاريخ طويل من الخلافات بين حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى في فترة المعارضة، لكنهما عادا وتوافقا بدعم من المرجع السيستاني بعد عام 2003». وعلى رغم الانقسامات والخلافات بين الحزبين الشيعيين الرئيسيين «حزب الدعوة» و «المجلس الأعلى» إلا انه لا يعرف مدى انعكاس هذا الخلاف على مؤيديهما في أوساط رجال الدين في الحوزة الدينية في النجف، إذ لم يظهر هذا الخلاف في شكل واضح حتى الآن في أوساط رجال الدين وتشير المصادر الى ان الخلفيات الدينية للحزبين في النجف وعلاقاتهما الواسعة داخل منظومة المرجعيات لم تتح إمكان إيجاد أرضية لإجبارهما على الائتلاف مرة أخرى ضمن كتلة شيعية على رغم المحاولات العديدة التي بذلت لهذا الغرض، فيما يمنح تمسك المرجعية بحيادها هامشاً واسعاً لإدارة الصراع الشيعي– الشيعي من دون التدخل فيه.