نظّمت دمشق للمرة الثالثة على التوالي مؤتمراً عن الحكومة الإلكترونية بعدما أدركت أخيراً أن تطبيقها سيعمل على تخليص أغلب الدوائر الحكومية من الروتين والبيروقراطية والفساد الإداري. وكذلك يعزّز وصول المواطنين إلى الخدمات العامة بشكل سلس وفاعل.والمعلوم أن وزارة الاتصالات والتقنية أقامت خلال العامين الماضيين مؤتمرين حول الحكومة الإلكترونية بهدف التعريف بفوائدها والاستفادة من تجارب بعض الدول التي طبقت هذا النوع المتقدّم من الحكومات. و خرج كل مؤتمر بتوصيات تطالب الحكومة في الإسراع في بناء البنية التحتية التي تتطلبها الحكومة الإلكترونية. وفي المقابل، لم يرض ما تحقق على ارض الواقع حتى الآن طموحات خبراء المعلوماتية. وفي سياق المؤتمر الأخير، خاطب أحد الخبراء المسؤولين قائلا: «تعبنا من التنظير ومللنا من شرح الفوائد وأُرهقنا من كتابة قوائم ال «يجب» عند نهاية كل مؤتمر». ونظمت المؤتمر الثالث وزارة الاتصالات والتقنية بالتعاون مع «الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» تحت عنوان «ولادة الحكومة الإلكترونية في سورية». وسعى إلى دعم تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية، وإبراز جهود الجهات المعنية في بلدان مختلفة في تطبيق التعاملات الإلكترونية، والاستفادة من تلك التجارب العالمية، ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية، ورفع مستوى الوعي في ما يتعلق بالتعاملات الإلكترونية. جور قانون الحظر الأميركي ورأى وزير الاتصالات السوري عماد الصابوني، أن الصعوبة التي تواجه تطبيق الحكومة الإلكترونية، لا تكمن في بناء البنية التحتية، بل في كل ما يتعلق بالنواحي الإدارية التي تتضمن إعادة هيكلة القطاع الحكومي وتطوير إجراءات العمل وسبل حماية المعلومات وتبسيطها وضمان أمنها وسريتها. واعتبر الصابوني حظر تصدير التكنولوجيا الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على بلاده في عام 2003 ضمن ما يعرف ب «قانون محاسبة سورية»، جائراً ومُسيئاً إلى التطوّر التكنولوجي في سورية. وفي تصريح إلى «الحياة»، قال الصابوني: «كان هناك تأخير في انجاز عدد من المشاريع سواء في مشاريع البنية التحتية أو الخدمات أو الأتمتة وبناء نظم المعلومات، بسبب تأخر الشركات المتعاقد معها في الحصول على رخص التصدير. وهذا أمر مزعج لأن الخطط لا تنفذ في أوقاتها». ولفت أيضاً إلى أن تخفيف الحظر يؤدي إلى تسريع تنفيذ المشاريع والخطط الموضوعة. وفي سياق متّصل، قال تامر الحجة وزير الإدارة المحلية: «إن ما نحتاجه في الوقت الحالي يتمثّل في تأهيل الكوادر الفنية في الوزارات والمحافظات كافة، وتدريبها على كيفية العمل على برامج الحكومة الإلكترونية...ذلك هو ما نفتقده الآن». ولفت إلى أن الجيل الجديد لم يتسلم زمام المسؤوليات، إذ إنه يمثّل شباباً تخرجوا حديثاً، أو انهم لا يزالون في الجامعات والمعاهد. وفي بداية العام الحالي، أصدرت وزارة الاتصالات قانون التوقيع الإلكتروني وخدمات الشبكة. وتضمّن القانون استحداث هيئة متخصصة بتطوير البنى التمكينية اللازمة لتقديم الخدمات الإلكترونية وإدارتها، وعلى رأسها خدمات الحكومة الإلكترونية. وكذلك أطلقت الوزارة حديثاً مجموعة من المراكز الالكترونية للخدمات الحكومية وغيرها. في المقابل، يعتقد كثير من خبراء المعلوماتية أن أهم الخطوات الضرورية فعلياً للوصول إلى إنجاز مشروع الحكومة الإلكترونية، يتمثّل في إقامة بنية تحتية إلكترونية قوية تتضمن قاعدة تحتية لخطوط الاتصال السريع مع الإنترنت، إضافة إلى استحداث آلية عمل للتفاهم بين الحكومة والقطاع الخاص المشارك في تنفيذ هذه المشاريع. وتشير أحدث أرقام صادرة عن وزارة الاتصالات الى أن عدد المشتركين في الهاتف الثابت حاضراً بلغ قرابة 3.7 ملايين مشترك (عدد سكان سورية21 مليون نسمة). ويُضاف إليهم قرابة 7.3 ملايين مشترك في الهاتف المتحرك، و858 ألف مشترك في الانترنت، بينهم 844 ألفاً يتصلون بتلك الشبكة عبر الهاتف التقليدي، فيما يتمتع 14 ألفاً بالاتصال مع الانترنت عبر الحزمة العريضة للخطوط من نوع «إيه دي أس أل»ADSL. وعلى مدار يومي عقده، ناقش المؤتمر عدداً من المحاور مثل استراتيجيات الحكومة الإلكترونية وتحدياتها، والحلول التقنية والبيئة التمكينية لها، والمبادرة السورية للحكومة الإلكترونية والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى جهود البحث والتطوير المتصلة بالحكومة الإلكترونية. وحضر المؤتمر عدد من المسؤولين الرسميين ومديري الشركات المختصة في مجال المعلوماتية والاتصالات، وممثلون عن المصارف والمؤسسات الدولية والإقليمية. واطلع المشاركون في المؤتمر على استراتيجيات وتجارب من تركيا والنمسا وألمانيا وقطر والأردن. يُذكر أن وزارة الاتصالات والتقنية تعاونت مع «برنامج الأممالمتحدة الإنمائي» في وضع خطة إستراتيجية لتطبيق الحكومة الإلكترونية على ثلاث مراحل. تبدأ الأولى منها في العام الحالي. وتركز هذه المرحلة على تهيئة المعلومات المتعلقة بالحكومة الإلكترونية ونشرها، واستكمال البنية التحتية والتشريعية والتقنية، ومتابعة بناء بنوك المعلومات الوطنية. وتمتد المرحلة الثانية بين عامي 2011 و2013. وتشمل إطلاق مجموعة كبيرة من الخدمات الرقمية التفاعلية وإظهار صورة موحدة للخدمات الإلكترونية، والاستفادة من الخدمات المشتركة، والربط إلكترونيا بين المؤسسات. في حين تمتد المرحلة الثالثة بين عامي 2014 و2020. وعند انتهائها، يفترض أن يصبح المواطن قادراً على انجاز معاملاته المختلفة بشكل إلكتروني. وعبّر الدكتور عمار خير بك رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر عن أمله بأن يتحوّل ما حصل في المؤتمر الى معلومات يستفيد منها كبار الموظفين وصانعو القرار في سورية. وقال: «حاولنا أن يكون المؤتمر ملبياً لحاجات الحكومة السورية في الانتقال الصحيح والمتدرج إلى الحكومة الإلكترونية، وفي انجاز الأهداف، وتحقيق النتائج المتصلة بأولويات خدمات الحكومية الإلكترونية». وأوصى المؤتمر في اختتام أعماله بوضع الخطة الإستراتيجية للحكومة الإلكترونية موضع التنفيذ، واستكمال المعلومات المتعلقة بالخدمات الحكومية وإتاحتها للمواطنين. ودعا أيضاً إلى اعتماد بند دائم في الموازنات الاستثمارية للجهات الحكومية لتخطيط المشاريع المتعلقة بتقديم الخدمات الحكومية وتنفيذها، على ألا يقل عن ثلاثة في المئة من الموازنة الاستثمارية، إضافة إلى إنشاء مراكز خدمة للمواطنين بالتعاون بين وزارتي الإدارة المحلية والاتصالات والتقنية. كما دعا المؤتمر إلى وضع خطة وطنية للاهتمام بتدريب الكوادر العاملة وتأهيلها لتصبح قادرة على إدارة الحكومة الإلكترونية. وطرح استحداث درجة ماجستير تخصصية في مجال الإدارة العامة لهذه الحكومة وتطبيقاتها، وكذلك الاهتمام بتوعية المواطنين ونشر ثقافة الاستخدام التكنولوجي للحصول على الخدمات الرقمية، ووضع معايير تُمكّن من صوغ طرق لتقديم الخدمات الالكترونية للمواطنين تأخذ بعين الاعتبار سلوك المواطن وحاجاته، كما تهدف لزيادة الثقة بخدمات الحكومة الإلكترونية مستقبلاً.