ساعات قليلة حاسمة في ملف الصراع على البرنامج النووي الإيراني؟ هي كذلك على الأرجح، لكن الأكيد هو رغبة إدارة الرئيس باراك أوباما في تحقيق إنجاز إقليمي – دولي، قبل ان يكمل السنة الأولى من ولايته الأولى، فيما إرث بوش الثقيل في العراق وأفغانستان يلح على واشنطن للخلاص من المستنقع سريعاً. ساعات حاسمة ايضاً للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المصري محمد البرادعي الذي كرر مرات نصيحته لواشنطنوطهران بالحوار، محذراً من السيناريو العراقي. وهو إن وُفق في وضع اللمسات الأخيرة على صفقة تخصيب اليورانيوم الإيراني، بعدما نجح في رعاية اللقاء الأميركي – الإيراني، بعيداً عن عيون الروس والفرنسيين، سيكون جديراً بأن يسأل أوباما مشاركته «نوبل» للسلام التي مُنحت للرئيس الأميركي «مبكراً»، لمجرد إشاعته بيارق أمل في العالم. ولكن، لأن «النووي» الإيراني في طليعة الأزمات الدولية التي ما زالت تهدد بحرب لا يمكن التكهن برقعتها ولا بأثمانها، يمكن بقليل من التروي إدراك حجم ما تحققه ديبلوماسية أوباما، إذا وقّعت واشنطن مع موسكو وباريس غداً صيغة ضمانات لإيران، بحيث يتأمن لها الوقود النووي لمركز البحوث الطبية، ويمكّنها من حفظ ماء الوجه بادعاء انتزاع حقوقها من «الاستكبار العالمي». وإذا كان استطلاع آراء الأميركيين الذين أبدت غالبيتهم اقتناعها بأن طهران تمارس الخداع، والذين يرى اكثر من نصفهم مبرراً كافياً للخيار العسكري، آخر المؤشرات الى الضغوط التي تواجهها إيران، فضلاً عن المناورات الضخمة الأميركية – الإسرائيلية، فالقيادة الإيرانية استغلت في المقابل، وفي اللحظة المناسبة، حاجة واشنطن الى الإنجاز الديبلوماسي، لترفع سقف مطالبها إقليمياً. يمكن البرادعي ان يغادر منصبه قريباً في الوكالة الذرية، وهو مطمئن البال الى «إنصات» الأميركيين والإيرانيين الى نصائحه، وأن تدعي موسكو أداء قسطها من الضغوط بتجميدها عقداً لتزويد طهران صواريخ «أس 300»، بعد التلكؤ في إنجاز مفاعل بوشهر. لكن ما يعني العرب ويقلق مدير الوكالة هو الوجه الآخر لصفقة اليورانيوم، أي رسم الأدوار الإقليمية مجدداً، بما يسميه بعضهم «مكافأة» إيران. وحدهم العرب ما زالوا غائبين عن خريطة الأدوار: اميركا – أوباما تكسب سياسياً تحت مظلة إنهاء تفرد واشنطن بإدارة أزمات العالم، وروسيا تكسب مرونة أميركية في «الدرع الصاروخية» حين تحرم طهران وسائل عسكرية للدفاع عن منشآتها النووية. وأما المكافأة لإيران فلعلها تستنفد من الوقت، ما أحرقه النزاع على الملف النووي من مراحل. وهي في كل الأحوال كبيرة بل ضخمة في حسابات دولة تمتد على ضفة كاملة من الخليج، وتتمدد نفوذاً في العراق ولبنان وفلسطين، وربما في اليمن. السؤال إذاً أي مكافأة لخامنئي – نجاد في منطقة لطالما رفعت ايران لسنوات طويلة إيديولوجيا الدفاع عن شعوبها ومصالحها... من بغداد الى بيروت وغزة؟ تلك ملامح عامة في معركة لفرض الإرادة، خاضتها ايران لسنوات طويلة، ومكّنتها إطاحة صدام حسين من القفز بسهولة الى ما تعتبره انتصارات، ويراه العرب اختراقات لبعض دولهم. ولكن هل يمكن افتراض استسلام الأميركي امام كل التطلعات الإيرانية؟... وتخيل انسحابه لتسهيل انقضاض طهران على كل الأدوار؟ هنا، تستثار الذاكرة بتفجيرين ليس لهما الطابع الموضعي: الأول الأربعاء الدموي في بغداد الذي فجّر مشروع التعاون الاستراتيجي بين العراق وسورية، والأحد الدموي في سيستان الذي تضرج بدماء الذراع الطويلة لإيران، أي «الحرس الثوري». في الحالين، يجدر البحث عن المستفيد من خلط الأوراق الإقليمية، وفي الثانية لا يمكن تغييب احتمال توريط ايران مع باكستان «لملاحقة الإرهابيين»، ثم جرّها الى الرمال الأفغانية. إذ ذاك يسهل على الحلف الأطلسي الانسحاب، ويُعفى أوباما من عبء الحرب على «طالبان» و «القاعدة». ولكن، إذا كان مشروع المواجهة الإيرانية – الباكستانية على قاعدة ملاحقة «الإرهابيين» وراء الحدود، يذكّر بالأزمة مع إسلام آباد بعد تفجيرات بومباي، فالفارق كبير بين الحالين، ولا يلغي الشكوك في وجود سيناريو لإنهاك باكستان النووية، بما يضخم اكثر مسألة مصير ترسانتها الذرية، والخوف من «الإرهاب النووي». مقابل الضمانات الدولية لإيران للجم التخصيب، اكثر من سيناريو للمكافأة «الملغومة».