ما بالكم أيها السادة الجماهير؟ خيراً! ما عاد أي منكم يسعى إلى الهدوء أو يطمح إليه، أو يتمنى أن يكون ملاذه في نهاية المطاف أو بدايته! ما بالكم أيها السادة الجماهير؟ تشترون قلقكم بأموالكم ومنازعاتكم بأفكاركم ومناقشاتكم بسبابكم وشتائمكم، ما بالكم؟ كأنني أراكم راكضين لاهثين خلف المُخيف والغريب والمدهش والمباغت، حتى لو قادكم إلى مأساة أو إلى كارثة! إن لم يُقدّم لكم إعلامكم ذلك مللتم، وبالخبر العاجل انتعشتم ووجدتم مادة للتفكير والحديث والمداولة حدّ الاجترار السياسي والإرهابي والاقتصادي. أحسُّ بأنّ الأمر ليس حالة فردية، بل خرج من نطاق الفرد إلى الجماعة والمجموعة والمجتمع والعالم، معولماً ومقلوباً وسائراً نحو الهاوية. الكل يتلهف إلى سماع خبرٍ ليس ككل الأخبار ليكسر رتابة أيامه، وكأنه لم يكتف بما يجري ويحدث من نكبات طبيعية واصطناعية! من قال إنّ الرتابة والانتظام أمران يعكران حياة الإنسان ويجعلانه مهمّشاً؟ ومن قال إنّ السلام والأمان أمران مملان؟ أفي الأمر سرٌ ما أم لم يعد هناك سرٌ خافٍ على أحد؟ في زمن التكنولوجيا لا أسرار. إذاً يبدو أنّه الغزو الإعلامي الهابط من الفضاء والصاعد من جوف الأرض! لكن هل هو وحده المسؤول عن التحول الكبير والمرعب في تركيبة الإنسان من الداخل والخارج؟ إن القضية لم تعد وقفاً على المشاعر والأحاسيس، بل جاوزتهما لتبلغ كل شيء وتحتله بالقوة والإكراه، حتى انها ابتلعت معها شعراءنا وفلاسفتنا وأساطيرنا وكل ما هو جميل عندنا وفينا. المغامرة ثم المغامرة.. ثم المغامرة. ثم الإثارة، ثم الإثارة.. ثم الإثارة. ثم ماذا بعد ذلك؟ إلى أين نسير نحن؟ إلى المغامرة وحسب؟ إلى الإثارة وحسب؟ إلى الفتن - أعوذ بالله-؟ّ أهذا العنان المطلق الوحيد لطموح الغالبية العظمى من سكان الأرض؟ أهذه تطلعاتهم وسعادتهم وشقاؤهم وانتصاراتهم وانكساراتهم؟ لا أحد يفهم، فالمهم خوض المغامرة المثيرة حتى النهاية، ومن ثمّ تلقي خبر عاجل، وهكذا إلى أن تستعجلنا الحياة وتمر... وتمر. أمّا أنا فقد توقفت. هادئة أنا.. أفكر بهدوء، وأحلم بهدوء، وهكذا أنطلق وأعود وأقابل الآخرين وأحادثهم بقبول وتقبل وهدوء. لا أنتظر حدثاً خارقاً ولا نقاشاً فارغاً، فيكفي أن أنظر إلى نفسي، إلى شجرة حور أو عصفور أو ساقية أو سرب سنونو يطوف لأدرك عظمة الخالق عزّ وجلّ وجمال الحياة من دون أخباركم ومن دون نقاشاتكم. خلف الزاوية أرسلت عاطفتي وأشواقي لأقول أنت بمهجتي باقٍ أنا مثل أوراقي ملوّعة فاحرص وأنت تضم أوراقي [email protected]