لقد كان للعقيلات دور واضح ومهم في التجارة بين القصيم والحجاز، فلم تكن تجارتهم تقتصر على التجارة مع العراق والشام ومصر، كما يظن كثير من الناس، بل إنهم شكلوا شبكة تجارية واسعة في المشرق العربي. إذ كانوا ينطلقون أحياناً نحو الكويت، وقد يمرون بالأحساء، ثم يتوجهون إلى العراق، ثم سورية، ثم الأردن، ثم مصر، ثم الحجاز، ويعودون بعدئذ إلى منطقتهم القصيم. والحقيقة أنه ليس هناك دراسات أكاديمية عن تاريخ العقيلات إلا دراسة عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم: «نجديون وراء الحدود» (العقيلات ودورهم في علاقة نجد العسكرية والاقتصادية بالعراق والشام ومصر 1750 – 1950). وكما هو واضح من عنوانه أن تركيزه كان على عقيلات العراق والشام ومصر، إلا أنه أشار في أحد مباحث الكتاب إلى دور العقيلات في تجارة السمن والتمر مع الحجاز، كما أشار إلى أدوارهم العسكرية في الحجاز، ودورهم في الصراع بين الإمام عبدالعزيز بن سعود والشريف حسين. ولذا فإن تجارة العقيلات بشكل عام تحتاج إلى دراسة أكاديمية شاملة. وقسّم هذا البحث إلى تمهيد وثلاثة فصول، وشمل التمهيد الحديث عن جغرافية القصيم، وأصل مسمى «العقيلات»، والهيكل التنظيمي لهم، وبعض أنظمتهم وعاداتهم. أما الفصل الأول فكان عن العقيلات بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، وهو مقسوم مبحثين، الأول: أسباب خروج العقيلات من القصيم، وأهمها الصراعات الداخلية، والصراع مع آل رشيد، والصراع مع آل سعود. والثاني: بداية نشاط العقيلات في التاريخ الحديث، إذ كانت أول وجهة لهم «العراق» التي عملوا فيها بالجندية والتجارة ونقل الحجاج. وأما الفصل الثاني: فخصص للتجارة بين القصيم والحجاز، وقسم أيضاً مبحثين، الأول: مقدمة تاريخية للعلاقة بين القصيم والحجاز منذ عهد الدعوة الإصلاحية، ويتضمن أسباب ميل أهل القصيم إلى الحجاز، إذ اتضح ذلك عام 1263ه (1847). الثاني: دور العقيلات في التجارة مع الحجاز، وفيه تفصيل لطبيعة تجارتهم التي كانت تشمل الإبل والخيل والغنم والحبوب والتمر والسمن. وتناول الفصل الثالث: الدور السياسي للعقيلات، سواء دورهم في الصراع مع آل رشيد، أم دورهم في الثورة العربية، أم دورهم في الصراع بين الإمام عبدالعزيز والشريف حسين، أم دورهم في الصراع مع «الأخوان». تنوعت المصادر والمراجع لهذا البحث. فاستند الباحث إلى قواميس اللغة العربية، مثل «لسان العرب» لابن منظور، و«الصحاح» للجوهري، و«تاج العروس» للزبيدي، للحديث عن أصل مسمى «القصيم» وجغرافيته، إضافة إلى «معجم بلاد القصيم» للعبودي، إذ يفيد أيضاً في تحديد بعض المواضع. وفي البحث عن أصل مسمى العقيلات استفاد البحث من كتاب «نجديون وراء الحدود» لعبدالعزيز عبدالغني، وكتاب «العقيلات» لإبراهيم المسلم، وكتاب «مسائل من تاريخ الجزيرة العربية» لابن عقيل الظاهري. وللتعرف على أسباب خروج العقيلات من القصيم، رجع الباحث إلى المصادر الأولية لتاريخ منطقة نجد، مثل كتاب ابن بشر «عنوان المجد في تاريخ نجد» وكتاب ابن بسام «تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق» و«العقود الدرية» لمقبل الذكير، و«عقد الدرر» لابن عيسى. وفي الحديث عن الأدوار الاقتصادية والسياسية للعقيلات في القصيم والحجاز، وأنواع التجارة التي عملوا بها، استمد الباحث معلوماته من مصادر أجنبية، مثل «رحلات تشارلز داوتي في الجزيرة العربية، وكتاب لوريمر «دليل الخليج». ومصادر محلية، مثل «تذكرة أولي النهى والعرفان» لإبراهيم بن عبيد، و«معجم أسر بريدة» لمحمد بن ناصر العبودي. و«رجال من القصيم» لإبراهيم المسلم. * من مقدمة الكتاب الصادر حديثاً عن دار جداول للنشر والتوزيع في بيروت.