أكد عدد من الشعراء أن الصراع القائم بين الأشكال الشعرية لا جدوى منه، وأن انحياز الشاعر إلى شكل شعري معين ومعاداة الأشكال الأخرى يعود إلى عدم استيعاب التجارب الشعرية بمختلف توجهاتها وأطيافها المختلفة والتي تمردت على الشكل التقليد، الذي عُرف به الشعر العربي منذ الجاهلية العربية الأولى؛ فهل يتم الاعتراف بقصيدة النثر كشكل شعري جديد وانتمى إليها عدد كبير من الشعراء، والذين برزوا في الشكلين السابقين العمودي والتفعيلة، واثبتوا قدراتهم الشعرية الرفيعة؟ وهل تؤكَد الهوية للشكل التفعيلي والذي لم يأخذ حقه ومداه؟ وهل يتوقف أنصار الشكلين الجديدين عن قذف التهم بالتخلف والرجعية للشكل العمودي ويتصالح الشعراء فيما بينهم من أجل الشعر والشعر فقط؟ يقول الشاعر جاسم الصحيح: «أعتقد أن حرب الأشكال على كل الأصعدة الإبداعية ليست حرباً جديدة. فكلما تمخضَ الوعي الإنساني عن شكلٍ إبداعيٍ جديد، جاء هذا الشكلُ يحمل في أحشائه معارضته، وكأن وجود المعارضة حاجة ضرورية من أجل التمرد على الذات والنمو، حتى الوصول إلى التجلي النهائي لهذا الشكل»، مشيراً إلى أنه عندما يتم الحديث عن الشعر بالتحديد، «فإن التجارب فيه قديمة بقدم وجوده في هذه الأمة على الأقل. أعتقد أن المشكلة تحدث عندما لا يكون وعي الشعراء بحجم الوعي الشعري الحقيقي، حينها يبدأ الانحياز المطلق للشكل على حساب المضمون، ونسقط في غواية الجسد على حساب جمالية الروح»، موضحاً أن هذا الانحياز «قد يأتي نتيجة ردة فعل تصدر من تيار ضد آخر، وقد يأتي نتيجة الفهم الخاطئ لمفهوم الشعر القائم في أساسه على الحرية أمام الكون، وهذه الحرية تبدأ من اختيار الشكل ولا تنتهي عند حد». ويصف الشاعر عيد الحجيلي انحياز بعض الشعراء التام إلى شكل شعري معين، بأنه «متولد من ذائقتهم الذاتية، وقناعاتهم الفنية، ومناجزة سواها بطريقة تشبه سلوك صغار السن في انحيازهم الكلي إلى فريقهم الكروي، وتلكم ظاهرة منبثقة عن داء الأنوية البارز في مشهدنا الثقافي، وعبادة الرؤى الذاتية المرتكزة على نفي الرأي الآخر، وإلغائه وإقصائه، وعدم الاعتراف بحقه في الوجود»، لافتاً إلى أن بعض المثقفين والمبدعين والناقد، «على وجه الخصوص يعانون من مراهقة ثقافية مزمنة تفتقر إلى النضج، والوعي الخلاق المدرك للسيرورة الفنية للشعر، ومراحل تطوره، وسعي الشعراء في كل العصور إلى مقاربة صورة عليا للشعر لا تأتي، ونموذج فني مُتوخى لا يجيء أبداً، ولذا نجد أن الشعر أو مفهوم الشعرية يستفيد من كل جهد فني جديد، ومن كل اجتهاد أصيل يحمل في أعماقه مقومات بقائه، ومن كل قدرة فنية فذة؛ بأي صورة أتت، وفي أي وعاء من الأوعية الفنية الثلاثة تجسدت». وقالت الشاعرة هدى الغامدي إنه لا يوجد مبرر مقبول لما يفعله هؤلاء «غير الجمود والتزمت ولا أدري لماذا هذه العصبية المخجلة؟! ربما عليهم التوقف عن هدر وقتهم في رفض الشكل المغاير لهم، وأن ينتبهوا أن المهم ليس في الشكل وإنما في قلب الشعر، بمعنى هل النص الذي أمامنا هو شعر أم لا؟ بغض النظر عن كونه منظوماً على وزن عروضي أو إن كان بين طياته موسيقى خليلية أو أنه عار تماماً من أي أوزان». وتعتقد الغامدي أن ذلك يعود إلى الإشكال القائم، «في انعدام المرونة الثقافية لدى أولئك الذين يرفضون الآخر، وأظن أن ثمة شعور داخلي بالتهديد يسكن هؤلاء الذين يغلقون عقولهم عن قبول أصوات مغايرة لأصواتهم، وكأن المسألة مسألة زعامة! فالكلاسيكيون يرفضون التفعيليين ومن بعدهم، والتفعيليون يرفضون كُتاب قصيدة النثر دون أن يتفهم أيٌ منهم أن ظهور أشكال جديدة، هو نتيجة حتمية طبيعية لهذا النمو الثقافي، الذي يطال جميع الفنون وعلى رأسها الشعر». ويرى الشاعر أحمد اللهيب أن الموضوع، «في جانب منه متصل بثقافة المبدع، وما تأصل في ذاكرته من نصوص إبداعية حفرت فيها مكاناً بيناً، فهي أنساق شعرية تنمو في العقلية، ولذا تكون أكثر أُلفة لدى الشاعر، وبخاصة شعراء النص التناظري والنص التفعيلي، وتأتي عملية (الانحياز) لهذا الشكل أو لذاك، وفق منظومة الأُلفة والقراءات المتوالية للنصوص»، مشيراً إلى أن الشعراء، في الغالب، «يفتقرون إلى التجربة ويخوضون التجريب بحثاً عن تجاوز إبداعي، يبني من دون شعور لدى المبدع اعتراضاً على التجارب الأخرى، المبنية على أشكال كتابية شعرية أخرى، ولكنه في مفاصله (اعتراض) ينقصه الوعي النقدي المتأصل، فهو لا يتجاوز مرحلة الذوقية التي بُنيت على قراءات سابقة، وتعد مرحلة أولى فقط في تلقي النص الشعري».