لم يكن سكان قرية « فردو» الايرانية الصغيرة التي تقع على بعد 167 كيلومتراً جنوب العاصمة طهران، يعتقدون أن قريتهم الجميلة ستكتسب شهرة عالمية، حتى إن سكان مدينة قم التي لا تبعد عنهم سوى 47 كيلومتراً ربما لم يكونوا يعرفون « قرية فردو» الا أولئك المترفين من القميين الذين اتخذوها منتجعاً صيفياً. عندما تكون درجة الحرارة تناهز الخمسين، فإن قرية « فردو» تكون المصيف السياحي لبرودة الهواء وجمال الطبيعة. في 21 ايلول (سبتمبر) الماضي سطع نجم هذه القرية عندما ابلغت منظمة الطاقة الذرية الايرانية، الوكالة الدولية للطاقة النووية برغبتها في اقامة منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم اسمتها «منشأة فردو». في ساحة الشرطة المعروفة ب «ميدان بليس» وسط قم، تقف سيارات أجرة تنتظر المتوجهين الى فردو. أحد السائقين ابلغ «الحياة» انه يعمل على خط قم – فردو منذ سنوات، لكن «منذ ان اعلن عن موقع فردو النووي ازداد عملنا». يقول السائق الاربعيني انه من مناصري الرئيس محمود احمدي نجاد، ويبدي سروره للإعلان عن المنشأة النووية الجديدة: «هكذا يجب التعامل مع الأوربيين وعدم الرضوخ لهم». في الطريق الى فردو، لا بد لسيارة الاجرة من المرور بقرى عدة متناثرة في الصحراء: ميم، خاوة، بريج، كهك، وصولاً الى مشارف فردو التي توحي بكل شيء الا نشاطات التخصيب النووي ... قرية هادئة ذات شوارع ريفية معبدة بالإسفلت ، تروي جدران منازلها بفخر واعتزاز عن تقديمها «104 شهداء» خلال الحرب العراقية – الايرانية. اسماء الشوارع وازقتها اختيرت بعناية على اساس اسماء الشهداء. يفتخر صاحب «السوبر ماركت» ب «هذا العدد الكبير من الشهداء الذين دافعوا عن الارض والثورة». هنا، لا مظاهر مسلحة ولا حواجز. ولا أحد يطلب بطاقة الزائر. خارج المسجد جلس عجوز كشفت نظراته بأنه يعرف الغرباء من أهل القرية. «أين منشأة فردو؟»، يجيب: «هل انتم جواسيس؟ لن أبوح بشيء!». ويضيف: «اولئك الذين انشأوا الموقع عرفوا اين وكيف يقيمونه، حتى يبقى بعيداً عن ابصاركم!». من هنا يستنتج الزائر ان السلطات كانت واثقة عندما اختارت هذه القرية لتقيم فيها المنشأة الثانية لتخصيب اليورانيوم في ايران بعد نطنز. من باحة المسجد، تبدو القرية جميلة بطراز بنائها المدرج واشجارها المقاومة لفصل الخريف. ولا احد في القرية يعرف او يبوح بمكان المنشأة النووية الجديدة. بعضهم يعتقد أنها في قمة الجبال المطلة على القرية، لكن مدير ناحية القرية حسن بخش، ينفي ان تكون المنشأة في قمة جبل «كلاه سفيد» (القبعة البيضاء) المطل على القرية، مشيراً الى ان الصور التي قيل ان الأقمار الاصطناعية التقطتها «غير صحيحة، لأنها تصور قبة لرصد النجوم وبناية صغيرة وعموداً للاتصالات، اضافة الى خزان ماء. لا شيء اكثر من ذلك!». وفي انتظار 25 الشهر الجاري، موعد تفقد فريق مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشأة فردو، يتحدث المسؤولون الايرانيون عن انشائها في اعماق الجبال، خشية استهدافها بطائرات معادية، ويمتنعون عن اعطاء تفاصيل دقيقة لدواعي أمنية. وقال رئيس منظمة الطاقة النووية الايرانية علي اكبر صالحي ل «الحياة» ان «اقامة منشأة فردو تدخل في اطار العمل الاحترازي الذي يأخذ كافة الاحتمالات بالاعتبار بما في ذلك اختيار المكان المناسب وطريقة البناء». وبعد الحاح، وافق صالحي على وصف المنشأة، قائلاً: «قررنا اختيار مكان انشائها لتتمكن من مواجهة التهديدات قبل ان يتم نصب المعدات الحساسة فيها، اضافة الى الأخذ بالاعتبار آلية الحفاظ على ارواح العاملين فيها». صالحي الذي يعتبر من العلماء في الفيزياء النووية وهو تخصص تابعه في الولاياتالمتحدة قبل قيام الجمهورية الاسلامية، يبدو واثقاً من ان انشاء منشأة تخصيب جديدة لليورانيوم يستطيع حماية منشأة نطنز التي تقوم حالياً بهذه النشاطات، ما يعني ان الايرانيين لايريدون وقف التخصيب ولا يفكرون في ذلك.