اعتبرت إسرائيل تبني مجلس حقوق الإنسان في جنيف «تقرير غولدستون» الذي دانها بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة «خسارة معركة واحدة في حرب ديبلوماسية طويلة»، تستوجب وضع آلية لمواجهة ارتدادات التقرير والنشاطات المناوئة لإسرائيل في مختلف الهيئات الدولية. وتحدثت تقارير صحافية عن أن «دولاً صديقة» لإسرائيل تطالبها بتليين مواقفها السياسية من الفلسطينيين لفرملة تداعيات التقرير ومنع وصوله إلى مجلس الأمن. وهدد وزراء إسرائيليون السلطة الفلسطينية بوقف العملية السياسية وحض «الدول المانحة» على عدم التبرع بأموال لها، كما غمز بعضهم من قناة دول احتلال أخرى لا تحاسَب على ممارساتها في الأراضي التي تحتلها وتدعم في الوقت ذاته «تقرير غولدستون». ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن أوساط رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو قوله في الاجتماع الذي عقده مع كبار مستشاريه فور صدور قرار مجلس حقوق الإنسان للبحث في انعكاساته، إن إسرائيل لن تتنازل عن حقها في الدفاع عن نفسها وإن الهدف الآن هو «نزع الشرعية عن قرار نزع الشرعية ضد إسرائيل». ورأى أنه «ينبغي على إسرائيل أن تستعد لمعركة طويلة مريرة، وعدم السكوت على الاتهامات الموجهة إليها... لن نتساهل وسنعمل ضد كل حالة وحالة». وقال إن المعركة ستدار عبر «حملة إعلامية حازمة» في كل العالم، مضيفاً أن «في أرجاء العالم أوساطاً واسعة نزيهة يمكن أن تصدق ادعاءاتنا... ينبغي على إسرائيل أن تقيم حولها نواة نوعية من دول متنورة لها قيم مماثلة للقيم التي تؤمن بها إسرائيل» لحشد تأييدها للادعاءات الإسرائيلية. وشدد على أن إسرائيل لن تكون مستعدة للعمل وفق معادلة «التراجع وامتصاص الضربات وضبط نفسها، إنما ستضطر إلى توضيح أنها إذا تراجعت وتلقت الضربات، فإنها ستوجه بدورها الضربات أيضاً». وأفادت الإذاعة الإسرائيلية أن ثمة فكرة يتم تداولها بإنشاء آلية خاصة تنسق بين كل الوزارات وتضع خطة عمل لمواجهة التقرير على كل الأصعدة. منع الوصول إلى مجلس الأمن ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول سياسي أن الجهد الإسرائيلي ينصب الآن في محاولة منع وصول تقرير غولدستون إلى مجلس الأمن الدولي. وقدرت أوساط إسرائيلية أن الولاياتالمتحدة ستجند أصدقاءها في المجلس لضمان غالبية ضد التقرير. لكن صحيفة «هآرتس» نقلت عن ديبلوماسيين رفيعي المستوى في مقر الأممالمتحدة في نيويورك تقديراتهم بأن الولاياتالمتحدة تفضل دعم تقرير غولدستون بصيغة أكثر اعتدالاً لدى طرحه على مجلس الأمن، على استخدام «الفيتو» ضد الصيغة الحالية. ورأى هؤلاء أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما المهتمة بتحسين علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي «ستفعل كل ما في وسعها من أجل الامتناع عن استخدام الفيتو وستفضل إجراء مفاوضات مع الدول الأعضاء في المجلس من أجل التوصل إلى صيغة متفق عليها لمشروع القرار». وتابعت الصحيفة أن بريطانيا وفرنسا تتحفظان أيضاً عن إجراء بحث رسمي حول تقرير غولدستون في مجلس الأمن. ووفقاً لمصادر الصحيفة، فإن روسيا «أوضحت بصورة هادئة» بأنها ليست معنية ببحث التقرير في مجلس الأمن. إلى ذلك، نقلت وسائل الإعلام عن أوساط سياسية إسرائيلية تقديراتها بأن «أصدقاء إسرائيل في العالم وفي مقدمهم الولاياتالمتحدة» سيكثفون من ضغوطهم على إسرائيل لتقوم بتشيكل لجنة مستقلة للتحقيق في ممارسات الجيش في الحرب على غزة وذلك بهدف «لجم المقاربات المناوئة لإسرائيل في الأممالمتحدة». وبحسب «هآرتس»، فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة البريطانية غوردون براون اللذين أبرقا لنتانياهو نهاية الأسبوع معلنين دعمهما ل «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، حضاه على أن تقوم إسرائيل بالتحقيق بنفسها في استنتاجات تقرير غولدستون، «كما دعواه إلى تجميد البناء في المستوطنات وفتح المعابر الحدودية مع قطاع غزة»، ما من شأنه إنهاء ورطة إسرائيل الناجمة عن تبني التقرير في مجلس حقوق الإنسان في جنيف. واعتبر المحلل السياسي في «هآرتس» ألوف بن رفض بريطانيا وفرنسا طلب نتانياهو التصويت في مجلس حقوق الإنسان ضد تبني التقرير رسالة تقول إن إسرائيل تدفع ثمناً سياسياً الآن على السياسة المتشددة التي يتبناها نتانياهو، وليس من أفعال سلفه إيهود أولمرت فقط (بقرار شن الحرب على غزة). ورأى أن هذا الموقف معناه أن زعماء أوروبا يقولون لنتانياهو: «إذا جمدت الاستيطان ووافقت على الانسحاب من الضفة الغربية، سنضع تقرير غولدستون واتهاماته الخطيرة ضد إسرائيل جانباً». وأضاف أن وراء قادة اوروبا «يقف الرئيس أوباما صاحب القرار الأخير... وبإمكانه أن يفرض الفيتو في مجلس الأمن ويكبح تقرير غولدستون هناك، لكن الثمن سيكون زعزعة صدقيته بنظر العرب والمسلمين وتراجع تعهده بدعم الأممالمتحدة وبالتعاون مع المجتمع الدولي... وعندما يطلب نتانياهو من أوباما استخدام الفيتو سيذكّره الأخير بالجولة السابقة بينهما، التي انتصر فيها نتنياهو ب رفضه تجميد الاستيطان». وذكرت «يديعوت أحرونوت» أن نتانياهو يميل إلى تشكيل «لجنة فحص» لكنه يبحث عن التوقيت الملائم للإعلان عنها كي لا يظهر وكأن إسرائيل تمتثل لإملاءات خارجية، كما تحدثت عن مخاوف إسرائيلية من أن يبادر المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى فتح تحقيق ضد إسرائيل في شكل مستقل رغم أن إسرائيل ليست عضواً في هذه المحكمة. التهديد بالاقتصاص من السلطة في غضون ذلك، عادت إسرائيل للتلويح بأن من شأن مواصلة البحث في تقرير غولدستون أن تعرقل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. ونقلت «هآرتس» عن أوساط قريبة من نتناياهو ادعاءها أنه حتى لو لم يعرقل تبني التقرير استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، «لكنه يضع صعوبات أمام التقدم نحو اتفاق أو تنازلات إسرائيلية إقليمية». وقال وزير المال يوفال شتاينتس إنه «إذا واصلت السلطة الفلسطينية التعرض لإسرائيل في مختلف المحافل الدولية، فسنعيد النظر في تعاملنا معها وفي دعواتنا المتكررة للأسرة الدولية إلى التبرع بالأموال لتطوير السلطة، وفي وقف تطوير المناطق الفلسطينية» المحتلة. واعتبر الحملة التي تتعرض لها إسرائيل «محاولة لا سامية تريد القول إن ما هو مسموح للولايات المتحدة في أفغانستانولروسيا في الشيشان وحتى لتركيا في شمال العراق محظور على إسرائيل». وأضاف أنه «لا يجوز لإسرائيل أن تتنازل عن حقها في الدفاع عن نفسها... ولن نسمح بذلك إطلاقاً ولن نقبل بأن يساق اليهود مرة أخرى كالقطيع إلى الذبح... لدولة اليهود الحق في الدفاع عن نفسها أسوة ببقية الدول. ولن نعطي الخدّ الثاني». من جهته، قال وزير الداخلية ايلي يشاي إنه لا توجد دولة في العالم تسكت على تعرض أراضيها للصواريخ، «من جهة يطالبوننا باستئناف عملية السلام ومن جهة أخرى يمنعوننا من الدفاع عن أنفسنا... لا الأميركيون ولا الانكليز ولا الفرنسيون مستعدون لتلقي صاروخ واحد... ولو تعرضوا له لأبادوا الدولة المعتدية في اليوم ذاته».