كان من معايير اختيار الزوجة حتى وقت قريب مهارتها في صنع الخبز، وجلوسها القرفصاء لفترة طويلة أمام فوهة الفرن البلدي الثابت المصنوع من الطين والذي كان يعمل بالقش والحطب، قبل أن يصنع الفرن المعدني المتنقل الذي يعمل بأسطوانات الغاز. لكن القرية المصرية لم تعد كما كانت. فمع تسلل نمط الحياة الحضرية الى الريف، تخلت عن أولويات كثيرة ومنها زراعة القمح، وبات أبناء الريف أعضاء دائمين فى طوابير طويلة تصطف أمام المخابز للحصول على «رغيف العيش». وعن قضية الخبز يقام معرض فني بعنوان «الخبز اثنا عشر فنان... اثنا عشر رؤية»، يعرض فيه 12 فناناً رؤيتهم ل «رغيف الخبز» في قاعة «درب 1718» حتى 7 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث يستخدم المعرض الخبز في «موقف خارج السياق» بهدف إعادة تأمل الخبز وموقعه، ويطرح تساؤلاً عن علاقة البشر التقليدية بالخبز وإدراكنا لها. إذ يستكشف كل فنان جانباً آخر من ثقافة الخبز: أهميته ومكانته في المجتمعات حول كوكبنا. الفنانون المشاركون هم عاطف أحمد وأيمن السمري وأيما بناني وإيناس الصادق وياسمين سليمان وخالد سرور ومعتز نصر الدين ومحمد خليفة ونثان دوس وشيماء عزيز ويوسف ليمود. ومن الأعمال المقدمة «الكورس الشعبي»، وهو تجهيز فراغي (انستيليشن) يتعامل فيه الفنان يوسف ليمود مع لوحة المصور المصري عبد الهادي الجزار المعروفة باسم «الكورس الشعبي» التي رسمها عام 1948. وهذه اللوحة دخل الجزار بسببها السجن لتصويره حال الشعب المصري في بلاغة. إذ رسم صفاً من الفقراء، وأمام كل منهم طبق معدني يرمز للجوع والعوز. وبعد 60 سنة من إنجاز لوحة الجزار، لا يزال المنظر (الكورس الشعبي) في الواقع هو هو، بل ربما ازداد بؤساً. أخذ الفنان يوسف ليمود الشخوص التي رسمها الجزار في لوحته وعكَسَها على الحائط بخطوط الفحم فقط متخلصاً من المنظور والألوان والتفاصيل الزائدة عن حاجة العمل الفراغي، وفرش على الأرض، أمام الشخوص المرسومة على الحائط، سجادة مستطيلة من كسارات الخبر الجاف. ويعتمد «الانستيليشن» على عنصرين اثنين: الرسم على الحائط (المريد)، والخبز على الأرض (الشيء المراد). هذان العنصران مفصولان عن بعضهما بعض بحكم خامة العمل والتنفيذ (أشباح على الحائط، وخبز على الأرض), المسافة التي بينهما وهمية في حيز العمل، لكنها واقعية في حيز الواقع. ويقدم معتز نصر الدين «فيلم فيديو» يصور فيه رغيف الخبز المصري وهو ينتفخ ببطء ثم بحركة تقنية في آلية الصورة يعود ويهبط ثم ينتفخ ثانية... وهكذا. مع هذه الحركة نسمع صوت تنفس آدمي وكأن الرغيف نفسه هو الذي يتنفس في حشرجة تستدعي في ذهن المشاهد صوت شخص مريض. وتقدم إيناس صادق شريط فيديو نرى فيه صورة حريق مجلس الشعب، بينما الصوت شيء آخر تماماً لشخص ما في فيلم كوميدي يتكلم عن احتراق الرغيف أثناء تسخينه في الفرن، ويقدم محمد خليفة صوراً للرغيف المصري. وقدم الفنان أيمن السمري تجريداً يحيل إلى فكرة الخبز كتب عليه «إهداء إلى أول شهيد في طابور الخبز في مصر»، أما الفنان ناثان دوس فيقدم ثلاث قطع نحتية بحجر الكوارتز تجسد الرغيف المصري بحجم مضاعف خمس مرات تقريباً، وفيه بدا نحته على هذا النوع من الحجر تصويراً دقيقاً لشكل الرغيف بكل ما فيه من بقع وحروق. كما تقدم الفنانة ايما بناني فيديو تفاعلياً يتضمن صورة ما تلعب على الشاشة، وأمام الشاشة عدد من الأرغفة، وحين يلمس الزائر رغيفاً تتغير الصورة على الشاشة.