شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان على أن «عضوية لبنان في مجلس الأمن ستجعله شبكة أمان ضد أي أطماع اسرائيلية»، مؤكداً أن «السلطة القضائية المستقلة ليست منّة من أحد بل استحقاق بالممارسة بالفعل وليس بالكلام». كلام سليمان جاء أثناء رعايته حفلة افتتاح السنة القضائية 2009 – 2010 في قصر العدل في بيروت أمس، في حضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة ووزير العدل ابراهيم نجار، وجمع من الشخصيات القضائية وممثلي الهيئات الديبلوماسية والسياسية. وألقى سليمان كلمة أكد فيها أن «العدالة تسمو محلّقة فوق المحابات والزبائنية والتجاوزات. طاهرة نقية هي. هدفها الأوحد إحقاق الحق ورفع الظلم، هي قوة للمظلوم الضعيف القوي بحقه»، معتبراً أن «الداخل الى محراب القضاء، كالناسك الداخل إلى صومعته يدفعه إيمانه العميق وتصقله معاناته الدائمة ويتوّجه عطر سمعته الفاضلة». وأضاف: «بعد أسابيع يطل علينا الثاني والعشرون من تشرين الثاني (نوفمبر)، والاستقلال الذي هو فعل تجدد دائم، تقع على عاتقنا مسؤولية ترسيخ دعائمه. ان عملنا الدؤوب يجب ان ينطلق من ثابتة تاريخية وهي ان كل الدول الديموقراطية، وقبل ان تستقر، عانت الكثير بعد نيلها استقلالها، من عدم توازن سياسي الى انتكاسات اقتصادية. فلا تدعوا لليأس مكاناً في قلوبكم واعلموا انه مهما بلغت أثمان الديموقراطية، فهي بخسة في سبيل فهمها وتعميقها وممارستها». وتابع: «ما يدفعني الى هذه المقاربة هو استقلالية القضاء، فالعدل أساس لأي ملك والقضاء هو الجوهر في تمتين الاستقلال وحجر الزاوية لأي ديموقراطية». وذكّر بقسمه اليمين على «حماية الدستور والسهر على احترامه»، مؤكداً «الحرص على ان تقوم سلطة قضائية مستقلة بالكامل، قوية، قادرة، عصرية وحامية للحريات كما كرسها الدستور والقوانين، اضافة الى المعاهدات الدولية التي انضم اليها لبنان». وأوضح أن «القضاء يعاني خللاً على صعيد الواقع القضائي، اكثر منه على صعيد النصوص التي تطورت بصورة ايجابية لمصلحة الاستقلالية وهي لا تزال بحاجة الى تطوير»، مؤكداًَ أن «السلطة القضائية المستقلة ليست منحة من أحد، بل هي استحقاق بالممارسة وبالفعل وليس بالكلام، وأن على القضاة موجب استحقاق هذه الاستقلالية لا الاكتفاء بالتغني بها... وذلك من طريق ممارستها عن قناعة وحق». ودعا سليمان إلى جعل المناسبة «وقفة تأمل في وضع السلطة القضائية واستلهام تجارب الماضي لطرح المشاكل والهموم واستجلاء الحلول وابتكارها». وقال: «إذا كانت الدولة ملزمة بأن تكفل استقلال السلطة القضائية فالمسؤولية الاساس تبقى على عاتق القاضي من خلال التزامه قسمه، بعيداً كل البعد عن التأثيرات السياسية والمصالح الشخصية... وللمتقاضين ان ينعموا بمحاكمات عادلة، موضوعية وسريعة، ذلك ان التأخر في المحاكمات وصدور الأحكام يوازي الامتناع عن إحقاق الحق». وتطرق سليمان في كلمته إلى انتخاب لبنان عضواً غير دائم في مجلس الأمن، معتبراً أن «هذا الامر سيجعله رأس حربة لحماية مصالحه ومصالح الامة العربية، وللدفاع عن حقوق الانسان وخصوصاً تأكيد المطالبة والعمل على حق العودة للاجئين الفلسطينيين». وأضاف: «لبنان وبصفته هذه، سيكون العين الساهرة لمنع ما يمكن ان يطرح من مشاريع مشبوهة تهدف إلى إهدار حقوقه وحقوق العرب والفلسطينيين. كما أنه وبعلاقاته الدولية ووجوده في أعلى هيئة أممية، يعني شبكة أمان ضد اي اطماع او مغامرات اسرائيلية ترمي الى زعزعة الكيان واستباحة الوطن». وقال: «في هذا الوقت الذي نحوز فيه ثقة الجمعية العامة للامم المتحدة لنصبح جزءاً من المجلس الذي ستطرح على طاولته أحداث العالم لمعالجتها وإيجاد الحلول لها، حري بنا أن نصلح ما في انفسنا. فنبني مؤسساتنا، ونطبّق القوانين». وكان الاحتفال بدأ بكلمة للمدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور الذي أكد «صمود القضاء في وجه كل الأزمات، وعدم انكساره وبقائه متماسكاً محاولاً جهده تحقيق العدالة». ثم ألقى وزير العدل ابراهيم نجار كلمة اعتبر فيها أن «العدالة في طريقها لاستعادة بريقها، فاستقلال القضاء يواكب هيبته». وعدد منجزات وزارته مشيراً إلى أن «العدالة هي واحدة لا يمكنها ان تتجزأ، ولا تقبل في أبعادها وأسسها اي اصطفاف، لا سياسي ولا ديني، ولا مذهبي ولا عرقي. لأن القانون والدستور لا يمكن تجزئتهما، فالقانون لا يكون قانوناً إلا اذا كان واحداً، اعني سائداً، على الجميع، من دون تداخل بين السياسة والقانون والقضاء»، معتبراً أن «مستقبل لبنان وقدرته على التغلب على الصعاب والازمات تبدأ ايضاً من خلال هيبة القانون والأحكام». وتحدث أيضاً رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي غالب غانم عن استقلال السلطة القضائية، معدداً المنجزات التي تحققت على الصعيد القضائي والمحاكم، وكذلك مطالب قصور العدل، اضافة إلى «أمان قضائية مشروعة المعنوي منها والمادي». وخاطب القضاة قائلاً: «لا تخافوا احداً. عطّلوا تدخل كل مَن يريد ان يغزو ملفاتكم. وابقوا مرفوعي الرؤوس في حمى دولة القانون، وفي بال القاضي الاول ورمز وحدة الوطن، الرئيس العماد ميشال سليمان». وألقى نقيب المحامين في بيروت رمزي جريج كملة نقابتي بيروت وطرابلس، معتبراً أن «حال البلاد لا يستقيم الا باستقامة القضاء الذي هو حجر الزاوية في بناء الدولة، لأن دوره يقوم على توزيع العدالة بين الناس والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم». وأشار إلى جريمة اغتيال القضاة الأربعة، سائلاً: «كيف للناس ان يثقوا بأن القضاء سينتصر لضعيفهم ومظلومهم، وهو الذي لم ينتصر بعد لحقه ودمه وشهدائه؟ ام كيف له ان يرد عنه كلام التجني، اذا رمي به، وقد اصابه الرصاص القاتل فما استطاع لغاية الآن ان ينطق بالحكم العادل الذي يُنزل العقاب بالمجرمين؟».