مع بداية هذا الشهر، أصدر الأمير خالد الفيصل تعميماً لجميع إدارات التربية والتعليم في منطقة مكةالمكرمة، وأرسلت نسخ منه لجميع المدارس، بنين وبنات، يقضي ويؤكد على احترام النشيد الوطني وضرورة ترديده صباحاً، من جميع الطلبة والطالبات، والمعلمين والمعلمات، ومعاقبة الممتنعين عن أدائه أو التساهل والتغاضي عن تفعيله، وبقدر ما أسعدني هذا القرار وأسعد كل المحبين والمخلصين في صدق الانتماء والوفاء للوطن، بقدر ما يؤسفني، الموقف السلبي للبعض الذي ما زال يلف ويدور حول الموضوع، متذرعاً بحجج واهية، سئمنا من سماعها، ولا تعرف ما السبب الذي يجعله متبرماً، ومبغضاً لهذا التوجه النبيل تجاه الوطن والحماس له، لقد أدى الإهمال القديم لتفعيل النشيد الوطني، إلى تهميش الشعور بعظمة الوطن ومكانته، في نفوس الأغلبية من طلابنا وطالباتنا، بل واللامبالاة في التعاطف مع أحداث الوطن المهمة، وهذا يعود أيضاً إلى تجاهل الوطن من المعلمين والمعلمات، ذوي الأهواء المكرسة للأممية الإسلامية الحالمة بالمجد المسلوب للمسلمين، ومن هنا يبدأ الغلو والتطرف، حتى ينطمس الوطن من الذاكرة ومن الفعل المخلص. ولأن المدرسة هي واحدة من أهم مؤسسات المجتمع التي تتعامل مع الفكر والسلوك، لتكوين مواطنين ومواطنات قادرين على خدمة الوطن وأهله، وتدريبهم وتأهيلهم لهذه الغاية، إضافة إلى إعدادهم لمواجهة متغيرات الحياة وخوض معركتها، بآليات الحاضر والتطلع إلى المستقبل، إلا أن الأولوية من وجهة نظري كتربوية مجربة، لابد أن تنصب على غرس مبادئ الوطنية، وتعميق محبة الوطن، وتأصيل المبادئ السليمة، في كيفية صدق الانتماء، بالفعل الهادف الذي يجعل الطلاب من الجنسين يلمسون هذا الشعور، ويصهرونه فعلياً في أعماقهم، ويرددون نشيدهم الوطني، بمشاعر الجماعة التي تعي وتعرف أهمية الوطن وقيمته في حياة البشر واستقرارهم، وبناء حضارتهم، كانت بعض المدارس، خصوصاً مدارس البنات ولا يزال البعض منها، «يُحرّم» هذا النشيد، ويسرق من التلاميذ من الجنسين متعة الجمال بالتغني في الوطن، والحماس له، مفضلين استبداله بأناشيد عقيمة تستهدف عقول النشء، بأفكار تبعدهم عن مكان وجودهم، وتعزلهم عن حاضرهم، وتروج لمنهجهم الخفي، الذي ما زال يتسلل إلى المدارس، على رغم حرص الوزارة على منع ذالك وتشديد عقابها على كل من يخالف مناهجها. ماذا يعني أن يسمع الطلاب من الجنسين النشيد الوطني مع كل افتتاحية في الإعلام المرئي والمسموع وفي المحافل الرسمية، والمهرجانات الرياضية والوطنية؟ ولا يرددونه في أهم مكان أنشأه الوطن، بهدف تنميته وحضارته، ورفع مستوى إمكاناته، لقد أصدرت وزارة التربية والتعليم قبل عامين على ما أذكر تعميماً يقضي بوضع صورة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده مع «عَلَمْ» المملكة في كل إدارات المدارس، إلا أن بعض مديري ومديرات المدارس تجاهلوا التعميم وكأنه لم يمر عليهم أو لم يروه. إنني أطالب الوزارة بإلحاح شديد، بضرورة متابعة المدارس في هذا الشأن وبث معاني الانتماء للوطن في الإذاعات المدرسية الصباحية، وإعطاء الوطن المساحة العظمى في مشاعر الطلاب من الجنسين، وكم هو جميل لو قامت الوزارة بمراقبة الوسائل التي تعلق على جدران المدارس، وكذلك ضبط «النشاط اللامنهجي» وتحديد موضوعاته مركزياً، كذلك متابعة مديري تعليم المناطق في تعاميمهم الداخلية. نحن بحاجة إلى تعزيز السلوك الوطني وزرعه في نفوس النشء، وتربيتهم على الثقة والاعتزاز بهويتهم الوطنية، وبحاجة إلى أمثال «خالد الفيصل» لنشر ثقافة التفاؤل وزرع المواطنة.