ما هو الدافع الذي يحرِّك نجماً غنائياً كبيراً في العالم العربي للظهور الإعلامي اذا كان يعلم مسبقاً ان ظهوره لن يقدم له شيئاً على الصعيد الفني، او على صعيد العلاقة مع الجمهور او على صعيد الترويج لعمل فني؟ هل حب الظهور هو الدافع في هذه الحال؟ واذا كان الأمر كذلك ففي اي مرحلة نجومية يمكن النجم ان يتخلص من وهم حب الظهور في حالات لا نفع جدياً منها، هذا اذا سلمنا بأن في كل فنان حباً للظهور لا يضاهى وانه مهما ترفع فإنه سيقع لا محالة في المحظور من حب الظهور الذي ينقلب غالباً ندامة بعد مرور ساعات لا أكثر احياناً على مقابلة اعلامية من هنا او هناك ولات ساعات مندم. لكن ما دام الفنان راغباً في هذه المقابلة او تلك، فلماذا لا يمارس ضبطاً للنفس في آرائه وانفعالاته، ولماذا لا يزين كلماته في شكل يسمح له بأن يكون ضيفاً لطيفاً على الجمهور حتى لا يقع في ... الاكتئاب. خصوصاً عندما يكتشف انه استدرج الى تصريح مؤذٍ او الى تلميح سيّئ او الى قول ما لا يريد قوله في حالته الطبيعية؟ هذه الأسئلة مطروحة بقوة وأمامنا نماذج من النجوم الذين يتمتعون بأهمية خاصة في ميدان الغناء او التلحين أو بالميدانين معاً مثل ملحم بركات الذي أثار كلامه التلفزيوني «الطازج» عواصف من الردود .. والبروق والرعود، ويعترف، في مجالسة الخاصة، كما اعترف على الهواء بأنه لم يكن في حاجة الى ظهوره الأعلامي الأخير لأنه احرجه ودفعه الى تجاذبات، مهما تكن، فإنها مضرة له ولا سيما المساجلة المتكررة بينه وبين الفنان اسامة الرحباني؟ وبعيداً من الانحياز الى منطق بركات او منطق الرحباني، وثمة سهولة مطلقة في اكتشاف الغث من السمين في الافكار التي طرحاها، يجوز السؤال الذي يصل الى حد الاستهجان: لماذا يصرف الفنان ملحم وقته في المقابلات التي نزل ضيفاً عليها، في تقريع هذا النجم او تلك النجمة، وفي انتقاد هذا الملحن وذلك الموزع، وفي هجاء الفنانين اللبنانيين الذين يؤدون اغاني باللهجة المصرية من دون اي طائل سوى «احتكار» الوطنية المزعومة مع ان اداء الفنانين اللبنانيين باللهجة المصرية هو حق من جهة، وامتحان من جهة اخرى للوصول الى جمهور مصر الواسع؟! بالتحديد: لماذا لا يركز ملحم بركات في مقابلاته على اسلوبه في الغناء واسلوبه في التلحين فقط، ففي اسلوب التلحين واسلوب الغناء عنده اسرار كبيرة وغامضة في جمالياتها، والجمهور في حاجة الى ان يعرف كيف يلحن بركات و كيف يغني، والحانه التي أدّاها بصوته، كما التي أدّاها الآخرون له، وطريقته في الغناء، تتميزان بأبعاد فنية رفيعة المستوى، على رغم ان الأغنيتين الأكثر غنى و «جنوناً» في تجربته ليستا بصوته وهما: «انا والقمر والنجوم» لميشلين خليفة، و «أنا اعتزلت الغرام» لماجدة الرومي حيث حضر بركات الملحن في أبهى حالة من الابتكار... ومع ان «أنا والقمر والنجوم» من الأغاني الطويلة التي تستغرق نصف ساعة تقريباً وانشدتها خليفة في مطلع التسعينات، و «أنا اعتزلت الغرام» من الأغاني القصيرة وانشدتها الرومي قبل ثلاث سنوات، فإن بركات حلّق فيهما بالقدر نفسه بحيث اكتشف في صوت خليفة ما لم يكن مكتشفاً فيه من قبل، واكتشف في صوت ماجدة الرومي ما كان مستوراً او معتماً عليه، ما يعني ان قدرات ملحم بركات في التلحين لم تتراجع وانه اذا « قرر» تمكن من اجتراح الصعب. وهذا في حد ذاته موضوع مهم جداً للنقاش فلماذا يصرف النظر عنه لمصلحة القيل والقال والعنعنات والنميمة واطلاق الكلام على عواهنه بلا حسيب ولا رقيب؟ وفي الغناء هناك الأهمية نفسها في صوت ملحم بركات، مع ان الحانه لصوته هي الأسهل تقريباً (على الأقل من الأغنيتين المذكورتين) فكيف لا يلتفت بركات الى غنائه الرائع والبارع في تلك المقابلات، هل ملحم بركات عدو نفسه ومواهبه؟