امتازت السياسة السعودية في 2014 بتغليب مصلحة المنطقة على أية مصالح أخرى، قد تتعارض مع استقرارها وأمنها الإقليمي، وهو ما بدا جلياً في القرارات التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أو في تحركات ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، على الساحة الدولية، والتي شهدت أكثر من محطة عالمية. وإذا ما بدأنا من الأحدث، أنجزت الرياض وقبل أن تغرب شمس هذا العام مصالحة تاريخية بين مصر وقطر، وأوفدت مسؤولين سعوديين وقطرين لمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القاهرة لإتمام المراحل اللازمة لإجراء المصالحة على أسس تخدم العمل العربي المشترك وتمتن اللحمة بين العرب شعوباً وحكومات. وكانت قبل ذلك نجحت في ردم الفجوات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقاربت وجهات النظر، ومن ثم توجه قادة الخليج لعقد قمة الدوحة وسط أجواء مليئة بالمصارحة والشفافية، ولكأن الرياض رفعت في عام 2014 شعار: «لم شمل الأمة العربية واستقرار المنطقة أولاً». ولعل أهم ما يمكن تلمسه في نهاية هذا العام، هو التقارب السعودي - العراقي، وارتياح الرياض لهذا التقارب والتعبير عنه بعودة افتتاح سفارة لها في قلب العاصمة العراقيةبغداد، بعد إغلاقها مدة أعوام نتيجة للاعتراض السعودي على توجه وأجندات بعض القوى السياسية العراقية، التي كانت تغلّب مصلحة جهات خارجية على مصالح العراق ذاته، وهو ما واجهته السعودية بحسم ورفض تام للتواصل مع مثل هذه القوى. الاهتمام السعودي بالعراق والشعب العراقي من دون النظر إلى مذهبية أو طائفية، ممتد عبر التاريخ من العلاقات بين البلدين، إذ سبق وأن وجّه خادم الحرمين الشريفين في تشرين الأول (أكتوبر) 2010 نداء إلى الشعب العراقي قال فيه: «من مهبط الوحي، ومهد الرسالة والعروبة، من المملكة العربية السعودية وطناً وشعباً ودولة، أوجه نداء إلى شعبنا في العراق الشقيق الأبي.. عراق الأديان والمذاهب والأعراق المتسامحة المتعايشة». إنه نداء الغيور على أمته، الساعي لعزتها وكبريائها، في عصر تداعت فيه علينا الأزمات فأثقلت كل أمل، وأوهنت كل عزيمة تسعى لاستقرار الأمة العربية والإسلامية. إلا أن الأمل لا يموت، والعزيمة لا تتداعى متى ما توحدت النفوس والقلوب متوكلة على الله جل جلاله.. أقول ذلك من قلب تملؤه مشاعر الانتماء لأمتنا وطموحاتها. إن الغيورين من الشعب العراقي على وحدته، وعزته، وأمنه، وازدهاره، والمسهمين بقوة في خدمة أمتهم العربية والإسلامية مطالبين اليوم بالعطاء، والتضحية، لأجل عراق مستقر آمن. إن العراق بكل المعطيات التاريخية جدير بأن يجد لنفسه مخرجاً من أزماته ومحنه، بمشيئة الله عز وجل، ثم بعزم متين وإرادة صلبة». ولم تتوقف المساعدات والدعم السعودي للعراق على البيانات فقط، بل تجاوزته نحو دعمه في المحافل الدولية، عوضاً عن الدعم المادي لمساعدة الشعب العراقي على تجاوز محنته. ووجّه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في الأول من تموز (يوليو) الماضي بتقديم نصف بليون دولار لمساعدة الشعب العراقي، ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مطّلع في وزارة الخارجية السعودية قوله إن «خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أمر بتقديم 500 مليون دولار كمساعدة إنسانية للشعب العراقي المتضرر من الأحداث المؤلمة، بمن فيهم النازحون بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية». وأوضح المصدر أنه تم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بهذه المساعدات، إذ إن تقديمها سيتم عبر مؤسسات الأممالمتحدة للشعب العراقي فقط، وستتابع المملكة هذه الجهود لضمان وصول المساعدات للمتضررين من أطياف الشعب العراقي كافة. كما جددت الرياض دعمها للعراق خلال زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إليها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وأعلنت تأييدها الكامل لمعصوم في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلاده. الملف الثاني والذي كان أكثر حضوراً في السياسة الخارجية السعودية في 2014 هو ملف اليمن، تلك الدولة التي تحولت جغرافيتها إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، ولعب مباريات متباينة بين قوى مختلفة في المنطقة تحمل صفة «تكسير العظام» الضحية الأولى فيها كان المواطن اليمني. التحرك السعودي لوقف هذا العبث بمقدرات دولة جارة تربطها بها علاقات تاريخية وثيقة كان هدفاً لدى الرياض، وليس غاية لتحقيق مصالح خاصة أو الدخول في مهاترات ومزايدات بعض القوى التي ظنت وهماً قدرتها على التأثير في السعودية عبر إثارة الاضطرابات والقلاقل في اليمن، وهو ما عبّر عنه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في التاسع من تموز (يوليو) الماضي بعد زيارة قصيرة إلى المملكة، إذ أكد دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لبلاده باعتبار أن أمن المملكة من أمن واستقرار ووحدة اليمن، مشدداً على أن خادم الحرمين الشريفين أعلن دعمه الكامل له للانتصار للقضايا الوطنية وترجمة مخرجات الحوار الوطني الشامل، وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة. وقال إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أبدى تفهمه الكامل بعد اطلاعه على الأوضاع والتطورات والمستجدات في اليمن على مختلف مستوياتها وجوانبها، موضحاً أن خادم الحرمين الشريفين وجّه بمساعدة ودعم اليمن على مختلف المستويات وبصورة عاجلة لتجاوز الظروف الصعبة والحساسة التي يمر بها خصوصاً في الظرف الراهن الدقيق. السياسة السعودية في 2014 غلب عليها التحرك وسط أجنحة خليجية حفاظاً على وحدة دوله وكان التنسيق السعودي – الإماراتي، والسعودي – الكويتي، والسعودي – البحريني جلياً في كثير من هذه التحركات، ما أسفر عن نجاح القمة الخليجية التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة أخيراً، والتي كانت مهددة بالفشل، بل وتجاوز هذا التعبير نحو أبعاد أخطر من الدلالات اللغوية كافة. هذه القرارات صاحبها تحرك لولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، على الساحة الدولية، إذ قام بزيارة رسمية إلى فرنسا في الأول من أيلول (سبتمبر) الماضي، إلى باريس أجرى خلالها محادثات وصفت ب«المهمة» مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولان، تناولت عدداً من المواضيع السياسية المهمة في إطار التشاور والتنسيق السياسي بين الرياضوباريس. وتم خلال الزيارة رفع مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما البالغ 40 بليون ريال خلال العام الماضي. وأكد قصر الإليزيه في بيانه بعد الزيارة على أن السعودية دولة مهمة ومحورية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأن باريس حريصة على التعاون مع الرياض في المجالات كافة. إن 2014 في السياسة السعودية عام حافل بالقرارات والمواقف التي سجلت فيها الرياض نقاطاً مضيئة في مسيرتها الديبلوماسية سواء على المستوى الإقليمي أم الدولي.