شهدت الصيدليات على غرار القرطاسيات والمكتبات العامة، ازدحاماً لافتاً في مشهد جديد، يطغى على فترة الاستعداد للرجوع لمقاعد الدراسة، فرضتها الظروف الحالية، مخافة انتشار مرض أنفلونزا الخنازير، حيث حققت الصيدليات أرباحاً في موسم لم تعتده، وأصبح الرجوع للمدرسة من المواسم المربحة على غير العادة للصيدليات، المشهد ذاته تكرر في مناطق عدة، من المملكة، وأصبحت السوائل المطهرة والكريمات الواقية والأقنعة على قائمة الطلبات، إلى جانب الكراسات والأقلام والحقائب. ويقول عمر محمود حسني (صيدلي) «لم تشهد الصيدلية وعلى رغم مجاورتها للمكتبة منذ ثلاثة أعوام، مثل هذا الازدحام والطلب المتزايد على ثلاثة أنواع رئيسة، هي قوارير صغيرة، تحوي سوائل كحولية مطهرة، وكريمات واقية، وأقنعة للأنف والفم بأحجام مختلفة، فمخاوف الأهالي من مرض أنفلونزا الخنازير، جعلنا شركاء في عملية الاستعداد للعودة للمدرسة، على رغم أننا لسنا من ضمن القائمة، التي يكثر الإقبال عليها قبيل الموسم الدراسي واثنائه، مثل المكتبات ومحال الملابس الجاهزة». ويشير إلى أن «المسألة تدعو للضحك والبكاء في آن واحد، ففي السابق لا تعد المنظفات الخاصة والمعقمة من الضروريات للطلاب، وتعويدهم على استخدامها قد يحميهم من أمراض عدة، إلا أن الهالة الإعلامية، التي صاحبت ظهور هذا المرض، جعلت من أدوات التنظيف، وعادات وسلوكيات النظافة، أمراً يجب اتباعه والمحافظة عليه، وهنا يجب أن نتساءل أين نحن من الوعي بالنظافة؟» ويؤكد أنه «من المتوقع أن تحصد الصيدليات أرباحاً ضخمة خلال هذه الفترة، وخصوصاً مع دخول الطلاب ضمن قائمة الزبائن، وأنا شخصياً أتوقع أن يفتح هذا الإقبال المتزايد، شهية شركات الأدوية والمنظفات لاستحداث قوارير مطهرة، تناسب الطلاب بألوان وأشكال جذابة، ولا أدري هل أصف هذه الفترة بأنها جيدة للتعويد على النظافة، أم أنها غير ذلك؟». وتقول مريم الخليفة (أم لطفلين) «هذه الظاهرة لم تكن حكراً على طلاب المدارس فقط، فوالدتي كمثال حي، لم تكن تلقي أي اهتمام للمعقمات، لكنها الآن تشدد على أن أشتريها في كل مرة أزور فيها الصيدلية، وعائلات كثيرة، باتت تشجع اطفالها على زيارة الصيدليات، والتزود بوسائل التعقيم المختلفة حفاظاً على صحتهم». وتضيف «قابلنا صيدليين يعززان الخوف لدى أولياء الأمور، وأصبحا يسوّقان لمنتجاتهما بصورة غريبة، فلا يكتفيان بالمطهرات المعروفة، بل يروجان لشامبوهات ومنظفات للشعر، ويفتيان بأنها تقي من الأمراض، لذا توقعاتي تصب في أن خزينة الصيدليات ستضيق بالأرباح في الأيام المقبلة». وتقول: «لا أجد للحرص الزائد عند الأمهات أي مبرر، بل قد يضر بسلوكيات الأطفال، فمثلاً بعض الأمهات يشددن على تدريب أبنائهن على كيفية استخدام المطهرات وعدم نزع الكمامات، ومنعهم من المصافحة أو الاقتراب مسافة قريبة من أصدقائهم وكل هذه أمور غريبة، تزرع الخوف والقلق بين الأطفال». ويرى عبدالله السويلم (ولي أمر طالب) أن الاتجاه العام لدى أولياء الأمور يوحي بقلق كبير، «تخيل أن تعلن صيدليات عن انتهاء الكمامات والمطهرات من رفوفها، وفي الأيام المقبلة ستضاعف هذه الصيدليات من هذه البضائع المربحة»، مضيفاً «درّب آباء أبناءهم على استخدام المحاليل والمطهرات وعدم المصافحة، وأتوقع أن هذا التشدد سيُحدث شرخاً كبيراً في العلاقات بين الأطفال، الذين اعتادوا على عدم الحرص، والاحتكاك الطبيعي والمباشر فيما بينهم». ويقول: «فوجئت بالأمس وأنا أتسوق في المكتبة بوجود أطفال عدة، يرتدون الكمامات بقلق، وإذا كانوا في المكتبة يتصرفون بهذا الحذر، فما بالك في المدرسة؟ ستصبح شبحاً يخيفهم، أنه أمر مقلق ومؤثر على نفسية هؤلاء الأطفال»، مضيفاً «يجب أن تكون هناك حملات إعلامية ضخمة لتصحيح هذا الوضع، وتسيّيره في المسار الصحيح، البعيد عن التكهنات والمبالغة، لأن المدرسة ستتحول إلى بيت رعب، والسبب الآباء والأمهات».