قد يستعصي على إجابات معينة استدلال الطريق المعتاد لها بعد كل علامة استفهام؟ وقد تتوزع هي الأخرى بالمجان في حالات مشابهة كهذه على أفواه عشاق الإجابات رغبة في لثم فم السؤال بقبلة إجابة سريعة؟ على أنه لا يمكن لأي إجابة أن تدخل حيز القبول وتأخذ براية الاقتناع لتكون بداية الجملة التي تلي مباشرة كل ما يطلق عليه مسمى «سؤال»؟ وعلى توسع نطاق الأسئلة وإحضار الإجابة أو استحضارها يأتي السؤال الأصعب في المشهد المحلي خلال اليومين الماضيين، الذي يصعب تخمين إجابته ولو حتى على صعيد التنبؤ ليكون نصه: لماذا انتحر أستاذ جامعي؟ المحزن في تفاصيل مشهد السؤال أن المنتحر بلغ القمة على مستوى الطموح الشخصي وحاز على ثقة المجتمع بطرحه ورأيه، وأنا الذي مررت مندهشاً معجباً حزيناً على سيرته الذاتية اللافتة فلم أملك حينها إلا أن أضع علامة استفهام شخصية مختلفة الحجم والشكل وبلا حاجة لسؤال يسبقها؟ حاولت البحث عن سبب وجيه ولو من الطرف يأتي لي بنصف إقناع يمكن أن أتجاوز به مأزق الإجابة حين يجرح استعراض سؤال الانتحار؟ لا معنى على وجه الإطلاق لأن تستبدل بصيغة السؤال «لماذا» الصيغة الأخرى «كيف» لأنه يظل بمعية الأولى حاضراً بكل علامات التعجب والدهشة والحيرة والسخونة ومثار نقاشات ودراسات يجب ألا تتوقف حتى يثبت بالدليل القاطع أن هذا مجرد استثناء ونقطة سوداء وحيدة لن تتكرر ولا يمكن أن تقرأ في الثوب الاجتماعي يوماً قادماً. يكون وقع خبر الانتحار أقل وطأة حين يرتبط بمواطن بسيط، لأن دوافع الانتحار ستعلق على أكثر من شماعة وستذهب بالقضية إلى أركان لا نقف أمامها إلا بالصمت ومعه الدعاء والرحمة، لكن أن يحضر الانتحار برقم من فئة الأستاذ الجامعي وبسيرة ذاتية احترافية مدهشة فهذا مؤشر مقلق. صحيح انه لم ينخرط بَعْدُ - الانتحار كقضية - في خانة الظاهرة، ومعه لم تأخذ دوافعه التي تتفاوت بحسب التركيبة العقلية وقدرتها على معايشة الواقع والظروف المعيشية المتفاوتة حقها من الدراسة وإيجاد الحلول وإيقاف الأرقام عند حاجز ما قبل الخوف بمسافة طويلة، قد يرتبط الانتحار اجتماعياً بالمرض النفسي كمبرر أول يدلي بدلوه في مشهد الانتحار، ولكن لا يمكن أن أقبل به مطلقاً في قضية الأستاذ الجامعي، وهو الذي يلتقي بوجوه مختلفة صباح مساء وينضم لكوكبة المجتمع عبر وظيفة عضو هيئة تدريس، والأهم انه أبرز المهتمين بجانب الآثار وله مؤلفات تزيد على 28 مؤلفاً، إضافة إلى أكثر من 70 بحثاً، وشارك كعضو في 40 لجنة وجمعية وفي أكثر من 30 مؤتمراً ومعرضاً وندوة داخل المملكة وخارجها لنعتبر بجانبه مرضى نفسيين بالمقاربة والمقارنة. لا يمكن بتاتاً أن يأتي العامل النفسي البحت ليلغي كل خطط السنين ومجهود العمر الماضي ويمسحها من الخريطة، وهو العامل الذي يمكن التقاطه بسهولة بمجرد الالتقاء بالشخص، فكيف لم يمكن التقاطه من وجه أو جسد أستاذ جامعي له حضوره وبريقه الذي لا يشبهه فيه أحد، أن يذهب الأكثر قدرة - كأكاديمي متخصص - على إقناعنا بضرورة تحدي الحياة واستخلاص بوادر الجمال وقيمة الماضي والأصالة إلى الموت نتيجة مرض نفسي أو ديون متراكمة، فهذا يستحيل على الخيار الأول وموجع مفزع حد البكاء للخيار الثاني، ومعه لتستيقظ كل الدراسات والحلول من أجل ألا يغادر رأس جديد وقامة متفردة بتخصص نادر من أجل سبب تافه أو مجاملة لتطييب الخواطر بإجابة متكاملة لسؤال قد يتكرر. [email protected]