يحق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ووزير خارجيته أفيغدور ليبيرمان الاحتفال بالانتصار للمرة الثالثة خلال أسابيع قليلة. المرة الأولى عندما تراجعت الإدارة الأميركية عن طلبها إليهما وقف الاستيطان شرطاً لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. والمرة الثانية عندما تراجع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الشرط ذاته للقاء نتانياهو برعاية الرئيس باراك أوباما. أما المرة الثالثة فسجل المسؤولان الإسرائيليان انتصاراً لا سابق له في الأممالمتحدة التي يعتبرها العرب ملعبهم. حتى عندما كانت واشنطن تمارس حقها في نقض أي قرار في مجلس الأمن كانت القضية تحال على الجمعية العمومية حيث الغالبية مع القضية الفلسطينية، ولطالما حاربت إسرائيل المنظمة الدولية ومؤسساتها، خصوصاً مجلس حقوق الإنسان في جنيف. انتصار نتانياهو الأخير هو الأهم، انتزعه من أصحاب القضية أنفسهم من دون حرب أو جهد، لأنهم، على ما أفادت المعلومات، بما فيها معلومات فلسطينية، طالبوا بتأجيل التصويت على تقرير ريتشارد غولدستون الذي خلص إلى اتهام الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على غزة، مقابل السماح لبعض المتنفذين بإنشاء شركة اتصالات للهاتف المحمول، أي قبول رشوة للتنازل عن حق يكفله القانون الدولي. أما تبرير عباس للتأجيل بأنه تم ب «علم الدول العربية وموافقتها» فتأكيد على علمه بالأمر، على رغم قوله أن منظمة التحرير ليست عضواً في مجلس حقوق الإنسان ولا يحق لها طلب ذلك. ويوحي بأنه تعرض لضغوط عربية، فضلاً عن الأميركية، كي لا يرفع الصوت محتجاً، والاحتجاج حقه، بطبيعة الحال، لكنه لم يمارسه بسبب تلك الضغوط. أما تشكيل لجنة للتحقيق ب «ملابسات القرار» فإقرار بالخطأ وليس سوى تأكيد لعلمه بالتأجيل وعدم اعتراضه عليه. اللجوء إلى الشرعية الدولية كان الورقة الفلسطينية والعربية الأخيرة في مواجهة إسرائيل، بعدما تخلى معظمهم عن الأوراق الأخرى، واعتبروا حرب اكتوبر 1973 آخر الحروب الإسرائيلية - العربية، والحروب التي شنتها إسرائيل بعد ذلك كانت دفاعاً عن النفس، وراحوا يبحثون، بمساعدة واشنطن، عن عدو بيننا إلى أن وجدوه في المقاومة التي أصبحت «إرهاباً»، مؤملين النفس بدخول العصر من باب التسليم بالشروط الإسرائيلية: التخلي عن الأرض، والقبول بالمستوطنات، وتهويد القدس، وإقامة كيان فلسطيني همه الوحيد إلغاء حق العودة والمحافظة على أمن إسرائيل. خذلان مجلس حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية المؤيدة للفلسطينيين، وطلب تأجيل التصويت على تقرير غزة، أو عدم الاعتراض على ذلك، خذلان لأنفسنا، ومؤشر خطير إلى تخلينا عن الشرعية الدولية، وتخليها عنا، إذ لا يمكن أن يكون الآخرون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، على ما قال المندوب الفرنسي في المجلس. لا مبرر بعد الآن لقلق إسرائيل من مقاضاة جنرالاتها ومسؤوليها المجرمين في لاهاي، أو في أي دولة أوروبية بتهمة الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب. الحصانة التي يتمتع بها هؤلاء يحصلون عليها متى شاؤوا، إما بضغط أميركي أو ب «علم عربي»، على ما قال عباس. والضعف والاستكانة والتعود على الهزائم عناوين أساسية لتبرير كل كبيرة وصغيرة.