التوصيات التي خرج بها مؤتمر «حركة التأليف والنشر في العالم العربي» الذي عقدته قبل أيام «مؤسسة الفكر العربي» في بيروت، تحمل الكثير من الأمل في حل «أزمة» الكتاب العربي، لكنّ الخوف، كلّ الخوف، أن تظل حبراً على ورق، على غرار التوصيات التي ترفع دوماً وتُنسى أو يُغلق عليها في الأدراج. لم تخلُ هذه التوصيات العشر التي اختُتِم بها المؤتمر من الحماسة والنيات الطيبة، لكنها لم تأتِ بجديد، إذا هي قرئت بدقة. وقد خرجت مؤتمرات كثيرة سابقاً بما يماثلها، ولم يحصل أي تقدّم في حقل الكتاب، تأليفاً ونشراً وتسويقاً... وقراءة، بل إن حال الكتاب ازدادت سوءاً. واللافت أن المؤتمرين الذين يلتقون عاماً تلو عام في عاصمة عربية وأخرى، في معارض الكتب أو المهرجانات، يطلقون التوصيات نفسها وكأن غاية مؤتمراتهم هو إطلاق التوصيات، لا أكثر ولا أقلّ. والجميع بات يعلم أن أزمة الكتاب هي أبعد من أن تحلّها التوصيات مهما كانت مهمة وصائبة. ولعل الجمهور الذي تابع الندوات والمنتدين الذين شاء معظمهم أن يرتجل ارتجالاً، فغير «مجشّم» نفسه عناء الكتابة، لاحظ أن الكلام الذي دار حول أزمة الكتاب ما زال هو نفسه، ينتقل من مؤتمر الى آخر، حتى باتت بعض المقولات أشبه ب «الشعارات» الرنانة التي يتمسك بها المنتدون ويردّدونها. وأبرز هذه المقولات تلك التي تنعى القراءة في العالم العربيّ وترثي الكتاب والكاتب... وغالباً ما يتمسّك المنتدون بما تتيح الاحصاءات من أرقام تدلّ على تراجع صناعة الكتاب والقراءة. وباتت هذه الأرقام معروفة وكاد الجميع يحفظها غيباً، وأفدحها أن كلّ 12 ألف عربي يقرأون كتاباً واحداً. مثل هذا الكلام ليس بجديد. العرب أمة لا تقرأ. هذا القول بات كالمثل السائر ويردّده الجميع، إمّا متأثرين فعلاً وإمّا ظاهراً. ويظنّ بعضهم أن هذا المثل سيظل سائراً ما دامت أزمة الكتاب «مستفحلة» مثلما أن الكلام حولها «مستفحل» بدوره. العرب يؤثرون الكلام عن أزماتهم لكنهم قلّما يتوصلون إلى حلول لها. إننا شعب يحب الخطابة ولو في الأوقات غير الملائمة أو حيال الظروف العصيبة. سمع الجمهور الذي تابع الندوات كلاماً ليس بجديد أيضاً عن أسباب الأزمة التي يعانيها الكتاب العربي ومنها على سبيل المثل: غلاء سعر الكتاب، الرقابة، سوء التسويق، البيروقراطية العربية، الجمارك والانترنت... الانترنت الذي أضحى أشبه ب «البعبع» الذي ينشر الخوف والذعر في عالمنا. وكان ردّ أحد المنتدين ناجعاً عندما تحدث عن حال اليابان، هذه الدولة الحديثة التي يحتلها الانترنت والتي يبلغ فيها مبيع رواية لكاتب يدعى هاروكي موراكامي مليون نسخة في سنة واحدة. هل يهدّد الانترنت الكتاب المطبوع؟ هل يحول الانترنت دون ممارسة القراء هوايتهم الأجمل: القراءة؟ ألا يساعد الانترنت، كما يحصل في الغرب، على تشجيع القراءة وترويج الكتب وإيصالها الى قارئها؟ أما أجمل التوصيات العشر التي رفعها المؤتمر في ختامه فهي الدعوة الى إنشاء «سوق عربية مشتركة للكتاب». هذه بادرة لافتة جداً والأمل أن تُنفّذ فلا تظل أمنية أو فكرة. ويجب صوغ تصوّر لهذه السوق ووضع أسس لها وتأكيد استمرارها. قرأت مرّة عن قراء وهواة كتب، التقوا في ما يشبه السوق الشعبية «المرتجلة» في أحد أزقة القاهرة وراحوا يتبادلون الكتب «المستعملة»، بعضهم مع بعض. وحصل في دمشق ايضاً «بازار» شعبي تبادل القراء فيه كتبهم «المستعملة». وكانت الحصيلة لافتة جداً. لقد وجد هؤلاء القراء الحقيقيون حلاً ولو عابراً لأزمة الكتاب والقراءة، فلجأوا الى مكتباتهم واستبدلوا كتبهم مع مواطنين من أمثالهم. قال أحد الناشرين المثقفين مرّة: لا حل لأزمة الكتاب العربي ما لم تعتمد المدارس - أجل المدارس - بادرة «التربية على القراءة». وكم يحتاج العالم العربي فعلاً الى هذه البادرة لا في المدارس فقط وإنما في المنازل والنوادي والجمعيات... «التربية على القراءة»... هذه جملة يجب أن يضعها الجميع نصب أعينهم. فالقراء لا يُصنعون في اعمار متقدّمة، بل في أعوامهم الأولى.