في الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق اليوم أجريت، في 25 تموز (يوليو) الماضي، وصلت ثلاثة أحزاب إسلامية الى البرلمان الإقليمي: الاتحاد الإسلامي الكردستاني (6 مقاعد)، الحركة الإسلامية في كردستان العراق (4 مقاعد)، العصبة الإسلامية الكردستانية (مقعدان). هذه النتائج، في شكل عام، ألمحت الى تراجع للإسلام السياسي بين الأكراد. صحيح، لم يفلح أي من هذه الأحزاب، طوال العقدين الماضيين، في شغل موقع سياسي مؤثر بين الأكراد. لكن الأصح أنها ظلت تمثل، مجتمعة، قوة ثالثة في الموزاييك السياسي ما بعد الحزبين الرئيسين: الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. اللافت أن الأحزاب الدينية فقدت في الانتخابات الأخيرة مرتبتها بعدما برز التيار السياسي والثقافي الذي يعرف بقائمة «التغيير» في كردستان خلال الأشهر القليلة التي سبقت الانتخابات. بل إن التراجع بدا عليها منذ فترة الإعداد لخوض الانتخابات حينما فضّلت الائتلاف مع أحزاب علمانية في قوائم مشتركة أهمها قائمة الإصلاح والخدمات التي ضمّت أربعة أحزاب، إثنان منها علمانيان وإثنان إسلاميان. ويؤكد أكثر من مراقب أن نتائج الانتخابات لمحت الى خلخلة في معادلات الإسلام السياسي الكردي. فالقائمة الكردستانية العلمانية المؤلفة من الحزبين الرئيسين حصلت على 59 مقعداً من مجموع 111 مقعداً، فيما حصلت قائمة التغيير على 25 مقعداً، وأحزاب علمانية صغيرة على 4 مقاعد، إضافة الى حصول التركمان والمسيحيين والأرمن على 11 مقعداً، ما يعني أن مقاعد الإسلاميين المؤتلفين في قوائم علمانية لم تتجاوز ال12 مقعداً. في الواقع، تؤشر هذه التفاصيل الى تراجع في شعبية الإسلام السياسي مقارنة بانتخابات 2005 التي حصل فيها حزبان إسلاميان على 15 مقعداً: الاتحاد الإسلامي حصل على 9 مقاعد بمفرده، فيما حصلت العصبة الإسلامية على 6 مقاعد. هنا، لا مناص من سؤال اساسي: لماذا هذا التراجع؟ للرد على السؤال، يرى المراقبون أن عوامل التراجع تعود الى صنفين: الأول، عوامل مباشرة بينها بروز قائمة «التغيير» بقيادة نوشيروان مصطفى وشعاراتها الداعية للإصلاح ومحاربة الفساد. فالجزء الأكبر من مؤيدي الأحزاب الإسلامية، فضّل التصويت لصالح التغيير على أمل تحويله الى مدخل لقيام معارضة برلمانية تنجز ما أخفقت الأحزاب الإسلامية في إنجازه. آخرون يرون أن للحالة ارتباطاً وثيقاً بتفاقم الخلافات القومية بين إقليم كردستان والدولة العراقية. وفي رأي هذا الفريق أن التردي الحاصل في العلاقات العربية الكردية داخل العراق أثار مخاوف الإسلاميين الأكراد من تداعيات سوء العلاقات بين بغداد وأربيل، ما دفع بجزء منهم الى تأييد القوائم القومية بغية تقوية الموقف الكردي حيال بغداد. بل إن البعض يرى أن الحكومة العراقية ذات الطابع الشيعي الغالب تعمّدت تهميش الأحزاب الإسلامية الكردستانية لمخاوفها من شراكة هذه الأحزاب في الرابط المذهبي مع أحزاب عربية سنّية في غرب العراق ووسطه. في هذا الإطار ترى القوى السياسية الشيعية أن هناك تحالفاً وثيقاً بين الإسلام السياسي الكردي ورديفه في الوسط العربي السني، كالحزب الإسلامي العراقي. ويشار الى أن الحكومة العراقية رفضت قبل عامين تسليم الاتحاد الإسلامي الكردستاني حقيبة العدل بذريعة غير معلنة مؤداها أنها غير مستعدة لتسليم المحاكم ومؤسسات القضاء الى تنظيم إسلامي كردي يتمتع بتحالف مذهبي مع أحزاب (سنية) عراقية. الى ذلك، يرى فريق آخر أن اسباب التراجع تكمن في أن الأحزاب الإسلامية الكردية تمتعت في مرحلة ما بعد انتخابات 2005 بموقف إزدواجي: فهي شاركت، من جهة، في حكومة إقليم كردستان التي قادها علمانيون، ولعبت، من جهة ثانية، دور معارضة نشطة في انتقاد أداء الحكومة. ويصح التأكيد على أن الدور الإزدواجي للأحزاب الدينية بين الموالاة والمعارضة عكس تأثيراً سيِّئاً على سمعتها السياسية بين الناخبين. وفي سبب رابع، يعتقد البعض أن مسؤولي الأحزاب الإسلامية الكردية انغمسوا كأقرانهم العلمانيين في ما يوصف بأنه فساد مستشرٍ في الأجهزة الإدارية الكردية. وفي هذا السياق، تصح الإشارة الى إعلان كتلة حزبية في الاتحاد الإسلامي، قبل أقل من شهرين، انشقاقها عن الاتحاد وتشكيلها تياراً جديداً باسم «كشه – التطور» يدعو الى التغيير ومحاربة الفساد. أما الصنف الثاني فهو العوامل غير المباشرة، ومنها التراجع الحاصل في الإسلام السياسي (السني) العراقي بشكل عام. وفي هذا الصدد يشير المراقبون الى التعثر المستمر للحزب الإسلامي العراقي وتحول تيارات من فضائه الى العنف. كذلك تصح الإشارة الى أن الأحزاب الإسلامية في كردستان اعتمدت في السنوات الماضية على الإغاثة ومساعدة الفقراء وتقديم الخدمات للمواطنين. لكن التطور الاقتصادي الحاصل في كردستان وانتعاش الطبقة الوسطى ودوام الاستقرار في المجتمع الكردي، أسهمت في تراجع دور الإغاثة الإنسانية في الدعوات السياسية. الى هذا، شرعت أحزاب علمانية كردية تنافس الإسلاميين في تقديم الخدمات للمواطنين. فالحزب الديموقراطي الكردستاني، على سبيل المثال، أسس جمعية باسم جمعية بارزاني الخيرية، تتكفل بتقديم الدعم الإنساني الى عدد كبير من المحتاجين. وارتباطاً بكل هذا، دأبت الأحزاب الإسلامية الكردية خلال 1991 حتى 2003 على إدخال مساعدات مالية كانت تحصل عليها من دول ومنظمات إسلامية واستخدامها في ما يوصف بنشر الدعوة الدينية. لكن تعاظم دور الحكومة الإقليمية في الحياة العامة وترتيب الحياة الاقتصادية والمالية في الإقليم في إطار موازنات معلنة، قطعت الطريق على إدخال المساعدات، ما أفقد الأحزاب الإسلامية مصدراً اساسياً من مصادر تمويلها. في كل الأحوال، ليس في الأفق ما ينبئ بأن الأحزاب الدينية في كردستان في صدد التحوّل الى مصدر لعدم الاستقرار كما هي الحال في مجتمعات شرق أوسطية أخرى. لكن في الأفق، ما يشير الى سلامة الرأي القائل بأن السماح لتلك الأحزاب بالعمل في أطر قانونية قد يحدّ من مخاطر انتفاخ عروق الإرهاب والتشدد.