ما أن يطأ الزائر منطقة «ترب اليهود» في مصر، حتى يشعر بأنه في زمن آخر. المنطقة التي كانت تحوي مقابر مخصّصة للموتى من أبناء الطائفة اليهودية في السبعينات، تحوّلت إلى ملاجىء لمصريين أحياء في الألفية الثالثة. على مقربة من منطقة «ترب اليهود» المعروفة ب«عزبة النصر»، ترتفع المباني الشاهقة في حي المعادي الراقي لتصبح هذه الصورة الشاهد على واقع مصري منقسم بين طبقتين اجتماعيتين لا ثالث لهما. «مدرسة الحياة» جالت في المكان، ورصدت الواقع فيه. وبدأت الجولة من أسفل كوبري الدائري، حيث «العشش» قابعة تحته بلا أي اعتبار لمعايير السلامة العامة، بينما على الجانب الآخر تتناثر بقايا المقابر التي كانت مخصصة لليهود. ويقول كريم «بالو»، وهو صبي يعمل في جمع القمامة وفرزها، إنه يعيش في «عشة» مع أفراد عائلته السبعة. يتحدث كريم عن همومه وعائلته: «لا توجد خدمات حكومية، ونقضي حاجتنا في حمامات مشتركة»، ويتابع أن الفقر يمنعه وإخوته من الذهاب إلى المدرسة. داخل منطقة «الترب»، شوارع ضيقة لا يزيد عرض الواحد منها عن ثلاثة أمتار، تقود إلى مجموعات من العشش والمباني المتلاصقة. غالبية الشوارع غير مرصوفة، والمرصوف منها كان على نفقة السكان. «تم توصيل الصرف الصحي إلى المباني الداخلية منذ ثلاث سنوات. لكن الشوارع تركت وعليها آثار الحفر، فجمع السكان أموالاً لرصف الشارع، بعدما نشب حريق ولم تتمكن سيارة الإطفاء من الدخول إلى المنطقة»، يقول محمد عبدالرحمن، صاحب مكتبة وأحد سكان المنطقة. ويضيف أن نظام الصرف الصحي الذي تم إمداده كان ضعيفاً، ولا تقوم الحكومة بالصيانة الدورية له، ما يغرق الشوارع بمياه المجاري، ويضطر السكان إلى أن ينفقوا على إصلاحه بين الحين والآخر، حتى لا يعيشوا في بؤس رائحة المجاري الكريهة، وما يأتي منها من أمراض. يتابع صاحب المكتبة الشاب: «عندما يمرض أحدنا، لا نجد إلا مستشفى خاصة خارج المنطقة، وتكاليفها مرتفعة لا نملك القدرة على دفعها. واقعنا أسوأ مما يتخيل أحد، لكن الإعلام لا يرانا إلا مجموعة من المجرمين والبلطجية، ولم يضع في اعتباره غياب الشرطة تماماً عن المنطقة، ويصور العشوائيات على أنها مكان لصناعة الإرهابيين، من دون أن يضع في الاعتبار تصوير غياب الخدمات عن منطقة تضم 50 ألف أسرة». القمامة أيضاً ترتفع على شكل تلال. ويقول سكان المنطقة إنه لا يوجد أي صندق قمامة في المكان، كما أن عامل النظافة طالب ببدل مادي لا يمكن لأهالي المنطقة البسطاء أن يوفروه، فقرر ألا يأتي إليهم مرة أخرى متجهاً إلى حي المعادي حيث «البقشيش» الوافر، كما يؤكد الأهالي.