أكتب لكم من عسير، من المكان الذي انطلقت منه عريضة حديثة الصنع لمجلس الشورى محفوفة بجملة من المطالب، إذ تبرعت 400 من نسائها بالبوح نيابة عن الرجال والنساء، أكتب مع ثقتي بأن الفكرة رجالية بحتة، طعمت هذه المرة بالأيدي الناعمة فحُمِّلن لواء العريضة ولم يحملنها بذريعة أنهن معنيات بمحتويات العريضة في الدرجة الأولى وعلى الظاهر من محتوياتها، فيما الحقيقة التي لا تخفى على عقل نابه أن الرجال متحدثون رسميون عن نساء بلدي منذ زمن طويل، ومساحات التنفس بالنسبة إليهن محسوبة بالمسطرة الرجالية، وتقاس بأدقّ علامات القياس الحادة طبعاً، وهذا الاستخدام المدروس ليس لائقاً بعظمة النساء هنا. لن أسبح في بحر المطالبات، وهي التي لن يتجاوز بعضها حاجز الحبر المسكوب، لكني أقرأ العريضة من زاوية جغرافية بسيطة، مع تقديري للأمهات والأخوات اللاتي كان حلمهن أن يكنَّ أبطال عريضة مطالبات، كما كان غيرهن من الرجال في مربعات أخرى للمطالبات والرؤى والقناعات والقراءات المبنية على اتصال هاتفي وجملة «خذوني معكم»، باعتبار أن العرائض المقدمة يوقّع عليها جمهور من المتحمسين، لكن الجماهير تتقلص لعدد أصابع اليد الواحدة مع أول مساءلة ومكاشفة ولحظة تدقيق المهمات. تعودنا على العرائض الرجالية، لكني تساءلت لحظتها عن القدرة الكبيرة التي يتمتع بها ما يمكن أن أصفه ب«الزعيم» لأي عريضة، والسؤال ذاته أحضره هنا لأتساءل عن أول زعيمة من مكاني لأنها ستكون بطلة على الصعيدين الرجالي والنسائي. للأمهات والأخوات من الموقّعات على العريضة «عسيرية الانتماء» ولو بالتواصل اللاسلكي أو عبر لمحة خاطفة من عين أقول: لماذا طالبتن وحدكن؟ وهل كانت العريضة بالنيابة عن نساء وطني أم أن نساء عسير متضررات إلى الحد الذي يمكن أن يقرأن من خلاله وتقرأ معهن مجمل مساحتنا الممطرة النقية بعين مائلة؟ نساء مكاني والرياحين التي كانت تعلمنا قبل أن نعلمها، أريد منكنَّ أن تعدن لقراءة تاريخ مكانهن، فمن لا يؤمن بتاريخه الأصيل الغارق في الفطرة والشيمة والضمير المغلب لليقين لا المغذى على الشك لا يمكن أن أضعه في منطقة تفاؤل لصناعة حاضر متزن لا متشدد، اسألوا بقية جيل الريحان، واليدين المخضبتين بالحناء، اقتربوا من اللاتي يصمن الخميس والإثنين من دون أن يجبرهن أحد، فكروا لماذا تحولت امرأة في ال70 إلى محط ريبة وشك، احتضنوا النساء الراعيات العالمات، عودوا إلى تاريخ مكانكم، واكتبوا بالنيابة عن نساء قرانا وجبالنا وسهولنا، اكتبوا بالخط العريض: كيف عشنا على الفطرة الخالصة التي لم يلوثها تطرف ولم يبعثرها دخيل. أعود بعجالة لمطالبات العريضة لأؤكد أنها تصب في المختصر لعرض امرأة عسير وكأنها ليست الشهمة الشيمة شاهقة الحضور وشريكة تنمية، بل هي تقريباً «الجزء الجريء الذي يصرح عن جنوب كامل بأنه قاب قوسين من خطر محدق، وليت صوتنا اللطيف قرأ.. جيداً.. جيداً.. قبل أن يندفع ويقاد إلى موضة معروض! [email protected]