انتهت مفاوضات جنيف إلى الفشل، وهذا كان متوقعاً إذ استندت إلى سوء تفاهم. فالأميركيون حسبوا أنها تمهد لمرحلة انتقالية من غير بشار الأسد، في وقت رأت دمشق أنها ترسخ مشروعية النظام. وعلى رغم إبراز الفشل هذا ضعف نفوذ موسكو في دمشق، لسان حال عدد كبير من المراقبين هو أن الحل العسكري غير ممكن وأن الديبلوماسية هي السبيل الأوحد إلى الاستقرار. ولا يجوز القول إن المفاوضات لم تفضِ إلى شيء. فحصيلتها سلبية. وفي الأشهر السابقة عليها، أقصى الأسد المعارضين السلميين الذين وسعهم لعب دور الوسيط مع المتحاربين. وهو يستبعد احتمال المرحلة الانتقالية ويعد «لانتخابه مجدداً» لترسيخ نظامه، على رغم أن الشرايين التي تمده بالحياة إقليمية: عشرات الآلاف من المقاتلين الإيرانيين والعراقيينواللبنانيين. والرئيس السوري مطمئن إلى أن الغرب في سبات ولن يحرك ساكناً. وهو يرجئ تدمير الترسانة الكيماوية، على رغم الاتفاق المبرم إثر رميه المدنيين بالغاز المميت في آب (أغسطس) 2013. ونظام دمشق ليس قلعة صامدة في وجه الجهاديين المتطرفين، على نحو ما تزعم بروباغندا الأسد. وبرزت أخيراً وشائج الترابط بين نظام دمشق و «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» (داعش)- وهي الفرع العراقي من «القاعدة». والترابط هذا يسلط الضوء على استراتيجية الأسد الرامية إلى استمالة المتطرفين و«التوسل بأعمالهم» لتقويض مشروعية المعارضة. ومع تعاظم تطرف دمشق ونهجها الراديكالي، يبدو حسبان أن التفاوض هو سبيل الحل من بنات الوهم، وفي غير محله. وتبرز الحاجة إلى البحث في استراتيجية غربية جديدة. فالثوار السوريون يتحدون في مواجهة «داعش» وهي أكثر المجموعات المسلحة مغالاة في التطرف. والمعارك محتدمة بين «داعش» والثوار السوريين، والأولى تشن هجمات انتحارية على قادة الثوار السياسيين والعسكريين، وتستهدف مؤسسات مدنية تقدم العون لملايين من السوريين. ولم تغلب كفة النظام السوري ولم يحرز تقدماً، على رغم وهن أوصال الثوار جراء فتح جبهة قتال ثانية. وتتعثر عمليات التجنيد في الجيش السوري الذي يفتقر إلى قوات كافية لشن معارك برية، فيلجأ إلى قصف منظّم للمدنيين في حلب ويمارس حملات تجويع لأهالي دوما وحمص واليرموك. ولم يحكم النظام قبضته على الجبهات، وفي وسع الثوار إضعاف مواقعه. ولا يخفى أن حصيلة هذه الحرب ضخمة: 150 ألف قتيل، ومئات الآلاف من السوريين المعتقلين الذين يخضعون للتعذيب، ومليونان ونصف مليون لاجئ وخمسة ملايين نازح. وفي العراق تتواصل فصول حرب أهلية، وتهز الهجمات الانتحارية استقرار لبنان، في حين يخيم طيف الاضطراب على جنوبتركيا بسبب التوتر بين السنة والعلويين. في هذا السياق، تتمسك الدول الغربية بعملية ديبلوماسية سلبية النتائج، على رغم أن أوروبا ستتحمل عواقب النزاع السوري. فهي ستضطر إلى استقبال عشرات الآلاف من النازحين وتقديم بلايين اليورو لمساعدة اللاجئين السوريين في العراقولبنان والأردن، فضلاً عن جبه مشكلة عودة آلاف من المسلمين الأوروبيين من القتال في سورية. والحال أن الثوار يقاتلون على جبهتين، ويحتاجون إلى مساعدة عسكرية ومدنية لإطاحة الجهاديين المتطرفين، وحماية السكان من القصف. وقلب موازين القوى لمصلحة الثوار المسلحين هو الحل الوحيد. وإرساء مرحلة انتقالية إلى الديموقراطية غير ممكن إلا إذا لاحت في الأفق غلبة كفة الثوار وإطاحة الأسد. فإذ ذاك يتعرض النظام إلى ضغوط من داخله تشرّع أبواب عملية المصالحة. * معدو تقرير لمصلحة منظمة «نيو أميريكا فاونديشن» بعنوان «ما بين القاعدة والنظام السوري: سبيل إلى خروج من الأزمة»، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 12/2/2014، إعداد منال نحاس