هذه النبته الجميلة كان لها أساس هنا، قبل إنشاء هذا الرصيف، وعلى رغم أن الأرض صحراوية ومن نوع خاص، فلقد انتصرت هذه النبته على الانسان. جاء من جاء الى هنا وقرر ان يتم انشاء الرصيف في المكان نفسه، فتم اقتلاع النباتات الموجودة، ربما بالتراكس أو بالبلدوزر، وربما بإحراق هذه النباتات التي اعتبرت عديمة الفائدة لأن المشاة أولياء الطريق والرصيف لهم، لقد اقتلعت النباتات وفرشت طبقة من الرمل ثم الحجارة الخشنة ثم الناعمة ثم الإسمنت الذي رصف البلاط فوقه. لكن الطبيعة أقوى من الانسان، فعلى رغم كل العقبات، ومنها ندرة الماء، فلقد انتشى فرع من النبات بعد ان دبت فيه الحياة فزحف يطلب النور واخترق الطبقات وبحث عن حافة البلاط ونفذ منها الى الأعلى مشكّلاً هذه النبتة الرائعة. منذ أربعة أشهر وفي صباح كل يوم وقبل ان تشرق الشمس أرتدي بذلة الرياضة وأذهب في مسار دائري جميل يبدأ من البيت وينتهي في البيت، فتطالعني هذه النبتة الجميلة فأراها تكبر كل يوم عن اليوم الذي سبقه، ولم يطأها أحد لا هي ولا صديقتها الى يسارها. نبتتان على الرصيف تقول الواحدة للأخرى: لا نعرف متى يتم اقتلاعنا من قبل عامل نظافة، أو يطالنا نعل عابث فيكسر سوقنا، أو عجلة سيارة يسوقها من يستمرئ الصعود بسيارته الى الرصيف. أربعة أشهر ولم يحدث شيء من ذلك... وستبقى هذه النبتة حتى لو تم اقتلاعها ستبقى عبر أبنائها ثم أحفادها تتحدى في كل مرة الإسمنت والرصيف والانسان، لأن قانون الحياة هو من قوانين السماء. ستتحدى الانسان الذي استباح الأرض وما عليها وتسلط على كل المخلوقات فيها، فهو يقتل للمتعة أو للتسلية أو للرياضة، وصار اليوم ينهب ويسرق ويحرق ويخطف ويهتك الأعراض ضارباً عرض الحائط بكل الوصايا الالهية. واليوم وقبل اليوم بكثير وفي تحدٍ سافر للإنسانية وللطبيعة ولقوانين الخالق... صار الانسان يقتل أخاه الانسان ويمثل بالجثث، بدافع الأذى والقهر، وأحب ذلك وافتتن به، واستخدم القتل كأسلوب للترويع ولقهر من يعتقد انهم اعداؤه واعتبر أن القتل اكتشاف واختراع، يستخدمه ليفرض ارادته على الأضعف، فالزمان اليوم هو زمان مخالفة كل الشرائع. لقد اجترح الانسان قوانين أخرى يجعل نفسه بواسطتها سيد الأرض وكل ما عليها، يستبيحها، بحيوانها ونباتها وجمادها، ويقتل ويسرق ويحرق ويغتصب ويخطف ويطلب فدية تجمع صبراً وتدفع قسراً، ووصل تعديه اليوم الى قتل أخيه الانسان لمجرد التسلية وصار يمثل بجثث القتلى، وهذا تقليد لم يكن مألوفاً ولا معروفاً في شامنا من قبل، وقد أعادنا الى أيام السلطنة العثمانية وعصور عبد الحميد وجماعة الاتحاد والترقي وعصور الهمجية والوثنية والجاهلية وعصور التتر والمغول تلك العصور التي اعتقدنا انها غادرتنا بلا رجعة. هذا الارث صار غريباً لا نعرفه ولا يعرفنا ولا نريده ولا يريدنا على رغم فظاعة الذين أوصلوه الى شامنا. هذا الارث نبذه الدين الحنيف ونبذناه نحن في شامنا ومنذ أمدٍ بعيد، لكنه عاد اليوم وبقوة يخترق حدودنا...لأن القفز يصبح سهلاً فوق السور الخفيض. لكن في النهاية ستكون الحقيقة الآتية: قوانين السماء أقوى من الانسان وإرادة خالق السموات والأرض هي البداية والمستقر، فعلى رغم كل العقبات وندرة الماء لا بد أن يبزغ فرع بعد ان تدب فيه الحياة فيزحف ليطلب النور ويشق طريقه، باحثاً عن حافة البلاط لينفذ منها الى الأعلى.