عندما يهدي المؤلف كتابه إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، ثم يستهل كتابه بكلام لأمين معلوف في «الهويات القاتلة» تعرف أنك أمام تنوع لذيذ، وأن أول تحذيرات الكتاب «رجاء لا تصنفني»، ثم إذا قرأت تعرف أن بقية الجملة «ولن أصنفك». يأتي كتاب الزميل هنا والسفير هناك في «يونيسكو» باريس زياد الدريس «حروب الهويات الصغرى» في الوقت المناسب، فهو يضع تحت عنوانه الرئيس عنواناً فرعياً «في مكافحة التصنيفات الإقصائية»، وهو كلاعب «كتابي» محترف يختار التوقيت الأكثر احتداماً بقضيته، فالتصنيفات على أشدها، بدءاً بالتصنيفات بين المسلمين، وبين المثقفين ورواد الإعلام الاجتماعي، وليس انتهاء بأهل الكرة الذي بلغ بهم التشنج الإقصائي توريط نجم كبير في اعتبار نسبته إلى جنسية عربية «إساءة» تستلزم اللجوء إلى القانون! «قبل الدخول إلى هذا المعترك يجب أن أحذر مجدداً ودوماً من أن نقع في ما وقعت فيه فئة من المجتمع أرادت أن تكافح الحزبية فوقعت في ما هو أشد منها، وذلك من خلال ما تكوّن بأيديهم، وعياً أو بلا وعي، حزباً جديداً وهو (حزب مكافحة الحزبية)». وفي موضع آخر يقول: «فاقت الحزبية في بلاد اللا أحزاب الحزبية في غيرها»، في إشارة ذكية سياسياً إلى أن أكثر التصنيفات والارتماءات إلى أحضان حزبٍ ما هي في الواقع صورة ذهنية، وأعتقد بأنه يقصد أن تبدأ كذلك اتصالياً ثم تتكرس في العقل، ثم تبدأ في أخذ منحى انفصالي، ثم يبدأ الفعل الإقصائي، هكذا أقرأ الآفة التي يحذر منها الدريس، يعرّفها حتى نستطيع مكافحتها. أجده خير من يكتب عن ذلك، فهو ومنذ ربع قرن كان في نظري عصياً على التصنيف، فهو «المطوع» المرن، والمبدع الكتابي العاشق للحرف، ابن الشاعر وأخو الهلالي المتعصب، وصديق الجميع، مغامر دراسياً حسبناه حين ذهب إلى موسكو للدراسة غريباً، وألفناه في «سان جيرمان» يأخذنا بين المباني العتيقة التي سكنها الروائيون، يشم معنا روائح بعض الإبداع العربي الذي تألق هناك، متأبطاً عصاه، وقابضاً على شطيرة «الفلافل» ولا يخطر ببال أحد أنه سعادة السفير الذي نزل للتو من سيارة المرسيدس. تأخذ عبارات وجمل الكتاب الإنسان إلى منطقة طمأنينة نسبية، إذ لا يزال هناك من يؤمن بأنك يجب أن تكون مؤمناً وكفى، ويترك لك حرية تصنيف نفسك، بل وحرية عدم تصنيفها، وأعجبني تحدثه صراحة عن السعودية ووجوب عدم تصنيفها تبعاً للأهواء، على رغم ألمه الذي تلمحه بين السطور أن كثيراً من الإقصائيين هم من أبنائها، والإقصائيون هنا من مختلف الاتجاهات وليسوا حكراً على فئة محددة. التعايش الثقافي سمة إنسانية وتحضر، ولا ضير أن يكون لي أفكاري ولك/ ولكم أفكاركم، لكن الضير أن أخشى من التفكير، وإذا فكرت، أن أخشى من إعلان أفكاري. [email protected] @mohamdalyami