لم يخطر ببال مصطفى البلوشي في يوم من الأيام، أن منزله المتواضع الذي يستلف قيمة فواتير كهربائه من معارفه أحياناً كثيرة، سيكون سبباً في ثرائه وتحقيقه جل أحلامه المادية، بعد دخوله أخيراً في حيز المباني التي ستصرف الدولة لأصحابها تعويضات بعد نزع ملكيتها في سبيل توسعة الحرم النبوي. فالبلوشي الذي ورث عن والده بيتاً شعبياً لا تتجاوز مساحته 120 متراً في أحد الأحياء المجاورة لمسجد رسول الله، قدّرت اللجنة المشرفة على التوسعة تعويض المتر المربع في تلك المنطقة ب65 ألف ريال، وهو أمر قد يقلب حياته تماماً من الحاجة والفقر إلى الغنى. وبدا سعيداً وهو يروي القصة إلى «الحياة» قائلاً: «منزلنا الذي اشتراه والدي في حي قباء قبل أكثر من قرن وأصبح اليوم متهالكاً وضيقاً على عائلتي الصغيرة، لا أحصي المرات التي تسبب فيها بشقاوتنا، لكن حال صرف الدولة لتعويضاتنا التي قدّرها لي قائمون على تثمين المنازل بنحو ثمانية ملايين ريال، ستبدأ سعادتنا بامتلاك منزل واسع وفخم في المدينة وسيارة حديثة وتحقيق جميع أحلامنا». وعلى رغم اغتباط البلوشي الذي يعمل مراسلاً في جهة حكومية بقرب انفراج كربتهم وتحوّلهم من طلب العون المادي من المحسنين وفاعلي الخير إلى مغتنين عن الناس، لم يخف حزنه وألمه من ابتعادهم قسراً عن مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لا تفصلهم عن مسجده حالياً سوى خطوات معدودة. وقال: «أموال الدنيا جميعها لا يمكنها أن تعوّضنا هذه الميزة، لا يمكنني أن أصف لك مشاعرنا ونحن نصحو من النوم على الأذان فجراً لنلحق على الصلاة سيراً على الأقدام في الحرم، ولا أجواء رمضان، ولا صداقاتنا مع الزوار والحجاج، إلى جانب استفادتنا المادية من بيع بضائعنا على المعتمرين». وفي تعليقه على قصة البلوشي، كشف عبّاس التوخي صاحب مؤسسة عقارية تدير منازل يشملها التعويض عن وجود أكثر من 12 ألف أسرة تشابه حال أسرة مصطفى، وستتبدل حياتهم من ضيق إلى فرج، إذ تشمل التوسعة أجزاء من 24 حيّاً. وأضاف: «منذ عشرات السنين هجر أغنياء المدينة تلك الأحياء المجاورة للحرم النبوي لأنها أصبحت منازل متهالكة وشعبية، وباعوها ليشتروا قصوراً فخمة في الأحياء الحديثة في المدينة، ولم يتبق سوى الأسر الفقيرة التي لا طاقة لها سوى البقاء في منازلها الضيقة والعيش على نفقات الموسرين، أو رواتب متدنية من أعمالهم، هؤلاء هم الذين ابتسم لهم القدر أخيراً بهذه التعويضات». ولفت التوخي إلى أن التعويض للمتر المربع في منزل البلوشي يعد من أقل التقديرات، إذ يبلغ في شوارع ملاصقة للحرم نحو 90 ألف ريال للمتر، مبيناً أن الأسر الفقيرة المستفيدة من تعويضات مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتوسعة الكبرى للمسجد النبوي والمناطق المحيطة به والمداخل المؤدية له تناهز حصتها من التعويضات ال70 في المئة، فيما تتوزع البقية على ملّاك للفنادق والأوقاف والمؤسسات الخيرية. وذكر أن حسنات هذه التعويضات كثيرة، إلا أن من مساوئها على البسطاء ومحدودي الدخل أنها ستؤدي إلى ثورة كبيرة في سوق العقار بالمدينة من ناحية أسعار الأراضي والفلل والإيجارات، إذ سترتفع الأسعار بمعدل 30 في المئة بعد الصرف، نتيجة لانحسار المعروض، فيما يقابل ذلك طلب هائل من المعوّضين. وتشرف على تثمين الأملاك المنزوعة لجنة من وزارة المالية وإمارة منطقة المدينةالمنورة وأمانتها وهيئة تطويرها، قدّرت قيمة التعويضات بأسعار العقار الراهنة والتي تعد مرتفعة، ومنحت هذه اللجنة المعوّضين مهلة 90 يوماً بعد صرف تعويضاتهم لإخلاء المنازل من أجل تنفيذ التوسعة. وعلى رغم أفراح أهالي المدينة الذين شملت أملاكهم هذه التوسعة بالتعويضات المادية، إلا أن شريحة منهم أعدادها ليست يسيرة، أطلقت «هاشتاقاً» في «تويتر» تشكو فيه تهجيرها من مجاورة المسجد النبوي، في وقت الخيارات فيه معدودة للبناء والسكن إلا في مخططات بعيدة وفي أطراف المنطقة.