أخيراً، وكما ورد على رأس هذه الصحيفة الأسبوع الماضي، أصدر المجلس الأعلى للقضاء قراراً يقضي بتوجيه المحاكم بقبول هُوية المرأة وعدم مطالبتها ب«المعرِّف»، بعد أن عانت المرأة الأمرّين من النظام السابق الذي جعل من هُويتها مجرد ديكور، لإثبات شخصيتها، حتى لو أرادت سحب مبلغ مالي من راتبها من أي مصرف من دون اللجوء إلى الصراف الآلي، يصدمها المحاسب بأن تحضر معرِّفاً لها، ولو كان هذا «المعرِّف» طفلاً صغيراً لم يبلغ سن الرشد، وكان هذا الفعل عائقاً لها في تصريف كثير من شؤون حياتها الاقتصادية والاجتماعية والعملية. لا شك أن هذا القرار يُنصف المرأة ويُعيد لها إنسانيتها المستلَبة بسبب القوانين التي تحاصرها، وتفتح منفذاً لتدخُّل الآخرين في مفارق حياتها التي هي أهل لها، فهي إنسان حر عاقل له كل الأهلية في التصرف بجوانب حياته، من دون أن يكون لأحد وصاية عليها، سواء أكان أبا أم أخاً أم زوجاً أم عماً أم ابناً، لأن لهؤلاء مصالح ضالعة في استغلال السلطة النافذة عليها بقوة القانون الذي جعلوه شرعياً، من دون أن يلزمها الدينُ بذلك. هذه خطوة مهمة في رفع الحصار عن حياة المرأة، لكنها تنتظر بعدها مبادرات أخرى مهمة بالنسبة إليها، منها: استخراج جواز سفر لنفسها، وحصولها على تصريح السفر من دون تدخُّل من الأوصياء، خصوصاً النساء اللاتي تجاوزن سن الثلاثين، وليس لهن محارم، أو لديهن ولكنهن يخشون من فرض وصايتهم عليهن، أو مساومتهن على أموالهن، أو لمجرد قهرهن. المرأة تحتاج إلى السفر لأجل علاج أو عمل، أو تمثيل للوطن في مهمة ثقافية أو علمية، إذ ليس من المنطق أن يشرفها الوطن بتمثيله ثم يعوق هذا جهل الأوصياء واستبدادهم وتعنتهم! إنه لمن المخجل أن تتجه المرأة إلى القسم النسائي في الجوازات وتصدمها الموظفة بأن استخراج الجواز والتصريح من اختصاص ولي الأمر في القسم الرجالي! وعندما تسأل عن فائدة هذا القسم الذي من المفترض يكون مساوياً لقسم الرجال في استخراج الجواز والتصريح تصعقك الإجابة بأن هذا القسم يتعلق بشأن المرأة في استقدام العمالة وإجراءاتها القانونية، بمعنى أن القسم لمجرد الديكور ولإقناع الناس بأنه يقدم خدماته للنساء. هناك اليتيمات والأرامل، وغيرهن ممن ليس لهن محارم، فماذا يفعلن إذا احتجن إلى السفر؟ لماذا لا يكون ضمن نظام الجوازات استثناء لمثل هذه الحالات الكثيرة، إذا كان لا بد من سريان هذا النظام الاضطهادي؟ ليس كل النساء يسافرن ليهربنَ أو ليفسدنَ أو ليتمكنَّ من الزواج ممن يحببن، أو ليتخلصْن من سيطرة الأسرة، أو ليجدن خلاصاً من تعذيب أو عنف أو ترهيب أو انتقام؟ مطلب استخراج جواز السفر مع التصريح، ليس وحده هو الجوهر فقط، بل تتداخل معه مطالبات جوهرية، منها: حق ولاية المرأة على أبنائها في استخراج هُوياتهم ووثائقهم الرسمية، في حال تقاعُس الآباء واستهتارهم أو تقصُّدهم لإرغام الأمهات بجبروتهم على الرضوخ لاستغلالهن. لم يعد المنطق يستسيغ القوانين التعسفية المصبوغة بالشرعية من دون مسوغ من الدين الذي أعطى المرأة حقوقها كاملة وساواها بالرجل مدنياً وقانونياً؟ ألا يكفي المرأة كل هذه الأعوام من الحصار، وهي التي أصبحت شريكة في الإنتاج والإبداع والعمل والتنمية؟ إنه لمن المخجل أن تكون هناك طبيبة أو أستاذة جامعية أو من هن في مستواهما ولهن حاجة إلى السفر لحضور مؤتمر أو دورة أو غيرهما، ولا تتمكن من استخراج جواز سفرها مع التصريح بالسفر، وليس من المخجل أن يقوم ابنها الذي تحت وصايتها بهذا. [email protected] zainabghasib@