سألت نفسي وأنا أشاهد جودة الإتقان والتنظيم ومتانة الطرح في مؤتمر القمة الحكومية الذي عقد في دبي: هل المسؤول عن كل هذا النجاح هو المال؟ الإجابة طبعاً: لا. فكم من الحكومات تملك المال ولا تملك النجاح! ما أدهشني أيضاً هو كمُّ المفاهيم العملية والعلمية التي صارت تستخدم وتطبق في الخدمات الحكومية، وسقف الطموحات المرتفع لدى المسؤول وهو يتحدث عن استراتيجية العمل في الإمارات العربية المتحدة، فهم في هذا المؤتمر يتسابقون كي تقدم كل إمارة مشروعاً أو مبادرة حكومية تخصها، ويعم نفعها الجميع. فتسمع بالحكومة الذكية والرقمية، وتعرف ماذا يعني مفهوم العمل والإدارة والتطوير والمنافسة. ستسمع شعاراً يقول: «المواطن أولاً» و «من أجل سعادة المواطن». للمرة الأولى ستسمع بأن الحكومة تريد أن تنافس القطاع الخاص بتقديم خدماتها طوال 24 ساعة، وأنها ستقدم خدماتها لك في أي نقطة تكون فيها. حدثني زميل بتعجب كيف أنه استطاع أن يجدد «رخصة السواقة» من محل نظارات! واليوم تسمع في المؤتمر أن الحكومة ستستخدم طائرات من دون طيار «درون» لا لضربك، بل لتقدم لك خدمات حكومية متطورة. المسؤولون الذين تحدثوا في المؤتمر تحدثوا من موقع تجاربهم القيادية، وكانوا كلهم من الشباب. هذه الروح التي بدت واضحة في الفهم والوعي والرغبة في تأكيد قيمة العمل كقيمة أساسية للوصول إلى الهدف، لن تسمع نظريات صعبة ولا أيديولوجيا تبرر عدم التقدم أو الفشل، بل اعترافاً كاملاً بالمسؤولية، وستشهد على تجارب ناجحة عبر أشخاص يتحدثون عن نجاح تحقق على الأرض، كما في تجربة الطبيبة حواء المنصوري التي ابتُعثت إلى أميركا لتدرس الطب، وحين عادت دفعتها الحكومة لئلا تعمل في القطاع الحكومي، بل لتفتتح عملاً خاصاً بها، وهو إنشاء مركز لتصنيع وإنتاج أنابيب القسطرة المتطورة داخل الإمارات، ثم دعيت الدكتورة لتتحدث عن تجربتها. الحكومة هي التي خططت لها ودعمتها وليست شركات إنتاج خاصة. ما لاحظته أيضاً أن كلمة مبادرة هي أكثر كلمة سمعتها في المؤتمر. العمل بالمبادرات لا ينتظر المسؤول حتى تقع مشكلة ليفتش عن حلّ لها، بل يدرس إمكان المبادرة التي تُعين العمل على التقدم والتطور، والذي لاحظته أيضاً أنهم لا ينظرون للمشكلة على أساس أنها مشكلة، بل فرصة لخلق مبادرة، فهم لا يحلون مشكلة بل يحلون أسبابها بوضع استراتيجية أوسع لاحتوائها، وعدم الوقوع فيها مرة أخرى. الإمارات اليوم تحتل مع النروج وسنغافورة المراتب الثلاث الأولى بين 10 دول في استخدام الخدمات الحكومية الرقمية، ولا تريد الحكومة أن تقف عند نقطة، فهي تظن أن هناك مزيداً من الأفكار عند آخرين ليسوا في الحكومة، ولهذا أطلق المؤتمر مبادرة للشيخ محمد بن راشد باسم «اهتمام»، وهي مبادرة تهتم باستقبال آراء وأفكار ومقترحات أفراد المجتمع الإماراتي، وذلك بدخولهم لموقع المبادرة على الشبكة الإلكترونية، ولأنني اعتبرت نفسي واحدة من ذلك المجتمع، قررت أن أناقش الشيخ محمد بن راشد في أمر طالما شغل ذهني، فمن خلال إقامتي في دبي منذ ثمانية أعوام رأيت المرأة تشغل منصب مديرة تنفيذية، وسفيرة، ووزيرة، وعضو برلمان، لكنني فوجئت بأنهم يطلبون منها موافقة ولي الأمر لتحصل على رخصتها، أو تفتتح حساباً مصرفياً لأبنائها، فسألت الشيخ محمد في اجتماعه مع الإعلاميين إن كانت البيئة القانونية لا تزال تنظر للمرأة على أنها قاصر؟ نفى الشيخ محمد أن يكون الأمر كذلك، ووعدني أنه سيصحح هذا الأمر، ولم أخرج من الاجتماع إلا ووجدت من يخبرني أنه أعطى أوامره بالتحقق من ذلك في لحظتها. إنها حكومة مدهشة. [email protected]