بدأت المصارف السعودية نشر إعلاناتها للقروض الشخصية عند سعر فائدة (معدل مرابحة بحسب التسمية الشرعية) منخفض جداً. كما تضمنت إعلانات بعض المصارف فترة إعفاء من السداد خلال الأشهر الأولى. وللتذكير، فإن كلفة القروض الشخصية في السعودية كانت أقفلت عامها الماضي 2013 عند 1.99 في المئة. ومع بداية العام الجديد خفضت المصارف المعدل إلى 1.45 في المئة، قبل أن يضغط بعضها الرقم للأسفل هذا الأسبوع معلناً توفيره قروضاً شخصية عند 1.35 في المئة فقط، مع فترة إعفاء من السداد للأشهر الستة الأولى. اللافت فعلاً في السعودية أن سعر الفائدة «السايبر» لا يُعلن، ولا يعرفه أحد، على رغم أنه نظرياً المحدد لكلفة الإقراض بالريال السعودي. ولكن إن «أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن تعرف أولاً ماذا في البرازيل» على رأي حسني البرزان. فلمعرفة السايبر في السعودية يجب أن تعرف أولاً سعر الفائدة في واشنطن، وحتماً سيكون الأول مرادفاً وقريباً من الثاني بحكم الارتباط الثابت بين الريال والدولار. وما يُعلن ويستخدم في السعودية حالياً، ويوضع على موقع مؤسسة النقد العربي السعودي، وينشر في الصحف الرسمية هو «الريبو»، و«الريبو العكسي»، وهي أدوات يستخدمها البنك المركزي لزيادة السيولة أو خفضها في المصارف. ولكنها ليست بالتأكيد المعيار الذي يحدد كلفة الإقراض المناطة بالسايبر المختفي، والذي لا يعلمه إلا الله، ثم الراسخون في العلم في خزائن المصارف وإداراتها. بالطبع، إغراء المصارف للناس بالقروض الرخيصة يعود لكبر حجم السيولة في المصارف، وحصولها على النقد من دون كلفة لتحرّج الكثيرين من أخذ فائدة على مدخراتهم لأسباب شرعية. وكان الأجدى أن يكون سعر الفائدة مرتفعاً حتى لا يتزامن الضخ المصرفي الكبير مع الإنفاق الحكومي الكبير في السعودية، وهو ما أدى إلى ارتفاع رقم التضخم في السوق، وأوصل أسعار العقارات خصوصاً إلى أرقام فلكية خارج نطاق المعقول والمنطق. ولكن نظراً إلى ارتباط الريال بالدولار، فإن فرص البنك المركزي في التدخل برفع سعر الفائدة ووقف فيضان النقد الرخيص تبقى محدودة. ولهذا بقي تأثير البنك المركزي مقتصراً على تحديد عدد الرواتب التي يمكن إقراضها (15-20 راتباً)، وعدد أعوام القرض (بحد أقصى 60 شهراً). إغراء المصارف للناس بالقروض الشخصية، وسهولة إجراءات الحصول عليها، يعود إلى أن المصارف تطلب من المقترض تحويل راتبه عليها. وبالتالي فهي قروض بلا مخاطر، لأن المصرف يقتطع القسط الشهري للقرض قبل أن يودع بقية الراتب في حساب العميل. بالعودة إلى حجم القروض الاستهلاكية في السعودية، فما وصلت إليه من مستويات يدق ناقوس الخطر. وبالأرقام، وبنظرة على تطور القروض الاستهلاكية خلال خمسة أعوام، وبأخذ الربع الثالث معياراً للقياس (لعدم توافر بيانات الربع الأخير من العام الماضي)، فقد كان حجم قروض الربع في 2009، يساوي 180.3 بليون ريال. وتطور الرقم للربع نفسه في 2010 مسجلاً 197.6 بليون ريال. واستمر الرقم في التطور مسجلاً 218.9 في الربع المماثل من 2011. ويترقى الرقم ليصل إلى 276.6 بليون ريال في الربع الثالث خلال 2012، وخلال الربع الثالث من 2013، بلغ إجمالي القروض 326.8 بليون ريال (المعلومات مأخوذة من موقع أرقام المتخصص). وتتحدث بعض الأرقام عن بلوغه 400 بليون ريال بنهاية العام الماضي. ولا شك في أن تطورات الرقم وقفزاته، خصوصاً لآخر عامين، توحي بمشكلة. فلو كان الاقتراض لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لكان مقبولاً. أما وإن 80 في المئة من هذه القروض تذهب للاستهلاك، وتقتطع ثلث رواتب الموظفين لخمسة أعوام متوالية، فإنها بلا شك يجب أن ينظر إليها بقلق وترقب. فاقتطاع ثلث الراتب، مع الأخذ في الاعتبار ضعف متوسط الرواتب في السعودية، لا يعني أكثر من انزلاق المقترض من أعالي الطبقة المتوسطة إلى أدناها، وانزلاق من هو في وسط تصنيف الطبقة الوسطى إلى مستوى الطبقة محدودة الدخل، أو الفقيرة. وهنا موضع الخطورة. ختاماً، في ظل قلة الوعي المجتمعي، وفي ظل إغراءات المصارف للموظفين بالنقد الرخيص، فلا يجب أن يترك لها الحبل على الغارب. ولا بد من أن تتدخل «ساما» للحد من فيضان النقد الرخيص وإغراءاته. وأما كيف؟ فالإجابة عند متخذ القرار في مصرفنا المركزي. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.