عاد أمس الشاعر سعيد عقل إلى مدينته زحلة محمولاً على نعش منحوت من صخر ومطعّم بخشب الأزر، وأبى أهل المدينة "جارة الوادي" إلا أن يستقبلوه استقبال الشاعر الفارس الذي رفع اسم زحلة ولبنان، فاحتفلوا بعودته وكأنه في عز الحياة، شامخ الرأس، عالي الجبين. وعند مدخل زحلة، كان في انتظار الموكب الذي انطلق من بيروت حشد كبير من أهل المدينة والمنطقة، وسياسيون وشعراء وفنانون ورجال دين من مختلف الطوائف وطلاب وأعضاء جمعيات ونواد أهلية، فأنزل النعش وحمل على الأكف وسط صداح الموسيقى وارتفاع الهتافات. وكان جثمان الشاعر سجي قبل ظهر أمس في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت وتوافد جمع من محبي الشاعر وسياسيون يتقدمهم الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، ناهيك بنواب غلب عليهم نواب التيار الوطني الحر وشخصيات وفنانون، وفي مقدمهم المغنية ماجدة الرومي والفنان عبد الحليم كركلا وجورجيت جبارة وغسان صليبا وغدي وأسامة الرحباني وسواهم. ووزعت جامعة سيدة اللويزة المشرفة على مراسم التشييع أوشحة حمراً كتب عليها اسم الشاعر تيمناً بحبه اللون الأحمر الذي كان لون ربطة عنقه الدائم. وبدت رفيقة عمر الشاعر وسكرتيرته وكاتمة أسراره ووريثته ماري روز أميدي، التي كانت له بمثابة الأخت والابنة، حزينة بل الأشد حزناً عليه. ثم احتفل بصلاة الجنازة التي ترأسها البطريرك الماروني بشارة الراعي، وألقى خطبة في تأبينه قال فيها: "سعيد عقل شاعر لبنان الحلم والعنفوان والجمال، ابن زحلة العزيزة، عروس البقاع، المولود على كتف البردوني. نودعه بالأسى الشديد والصلاة، في لبنان والعالم العربي ودنيا الانتشار. غياب وجهه خسارة كبيرة، لكن نتاجه العظيم، شعراً ونثراً وقصائد ومسرحيات، يبقيه حياً في العقول والضمائر والقلوب، جيلاً بعد جيل، فيظل ذخراً أدبياً وفكرياً وحضارياً للأجيال المتعاقبة". وكان لافتاً غياب اتحاد الكتاب والأدباء اللبنانيين الذي لم يصدر أصلاً بياناً في الراحل الكبير وغياب شبه تام للأساتذة الجامعيين والكتاب والشعراء، ما خلا مريدي الشاعر ورفاقه، من أمثال طلال حيدر وجورج شكور وهنري زغيب وباسمة بطولي... وبعد صلاة الجنازة انطلق الموكب إلى زحلة ترافقه سيارات الشرطة البلدية. وعند وصوله إلى المدخل الرئيسي للمدينة عند مستديرة المنارة، حمل المشيعون النعش وطافوا به حول المستديرة وسط حشود من المشاركين، ثم اتجهوا به إلى مدرسة مار أفرام التي ارتادها الراحل سنوات طويلة. وقبل وصوله إلى محطته الأخيرة، جابت الحشود بالنعش في محطات ومعالم رئيسة، ليودّع الراحل أماكن كان له فيها حضور وذكريات. وحصل كل ذلك على وقع أغان من تأليفه بصوت السيدة فيروز، وكلمات له من قصائد متفرّقة.