في الأوساط الثقافية والإعلامية السعودية هناك سؤال كبير يدور حالياً، وهو: ما الذي يدفع مثقفاً وأكاديمياً سعودياً، لكي ينتقل من حضن «الوطن والدولة» السعودية إلى حضن ألد خصومها اليوم «جماعة الإخوان المسلمون» ؟ ما الذي يجعل من مثقف وأكاديمي، ليكون مبشِّراً بالنموذج الإخواني، ومنتقِّصاً من أدوار المملكة في مواجهتها، بل ومحملاً السعودية أخطار وتبعات تلك المواجهة، وهو الذي عاش طوال عمره ربيباً للحكومة مدافعاً عن مشاريعها، ومستفيداً من قربه لها ومالئاً حساباته المصرفية من مشاريع أخذها بعلاقاته وقربه من رجال السلطة. كيف اجتمع أولئك المحسوبون على التفكير المتمدن، مع الكتلة الإخوانية السرورية في السعودية، وهي الأكثر تطرفاً بين مثيلاتها في العالم، التي أعلنت صراحة عن مشروعها المعادي للدولة والوطن؟ وكيف تحولوا إلى خصوم يقودون انقلاباً «إعلامياً» ضد وطنهم؟ ومن منا لا يتذكر تصريحات مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمون الإرهابية السابق، عن الحرب «السعودية - الحوثية»، واصطفافه هو وجماعته «الإرهابية» مع الحوثيين، ووقوفه صراحة ضد المملكة، والحوادث من مثل هذه كثيرة. الدولة - أيها السادة - ليست دولاباً يفتحه المثقف أو الليبرالي أو السروري لأخذ منصب أو وظيفة أو مال، قرر في لحظة أُنس أو جلسة أنه يستحقه، أو هداه إليه تقويم خاطئ لنفسه، أو سقف توقعات غير منطقي. الدولة مصير حتمي للحياة لا مجال معه للخيانة أو الغدر. بالطبع «الإخوان السعوديون»، مثلهم مثل كل جماعات الإسلام السياسي في العالم، في حاجة دائمة إلى مفكر يستطيع أن يبشّر بأدبياتهم ويدافع عن مشاريعهم، بدلاً من كل نماذجهم البائسة، فهم عجزوا طوال ال50 عاماً الماضية عن تقديم نموذج واحد محترم. ولذلك فسيد قطب «الشاعر والكاتب الليبرالي» قبل أن يركب موجة «الإخوان»، تحول في العقل الإخواني إلى ما يشبه الصنم، فقد أعطاهم نموذج المفكر بكل مميزاته الليبرالية، ولكن بأدبيات إخوانية، ولهذا تأتي الحاجة الملحة عند الإخونجية إلى البحث عن «سيد قطب» الإخواني الجديد، المخلص الذي سيردم هوتهم الثقافية، وانعزالهم السياسي. في تصوري أن بعض المثقفين السعوديين - وخلال تحولات حادة تطرأ على مزاجهم الفكري - يتأثرون أحياناً بتقاطعاتهم غير الودودة مع السلطة والسياسي، وهو ما يؤدي بهم إلى الاندفاع خلف الجماهير بدلاً من المبادئ، مع يقين مترسخ لديهم أن ماكينات صنع الجماهير الأبرع هي تلك الموجودة في أيدي الإسلامويين، وأن تملقهم يحقق لهم تلك الجماهيرية. بينما البعض تأسره فكرة أن يكون «مفكر البلاط» التي لم يمنحه إياها السياسي، وهو ما يعجِّل باندفاعه نحو الطرف الآخر ليكون «مثقف الجموع» المناوئة، ولا أقصد هنا المعارضة بشكلها الصدامي، بل أقصد الوقوف على الطرف الآخر من قضايا الدولة، خصوصاً تلك التي تتحسس منها. وهي الطريقة المثلى في تصورهم لتأنيب الذي لم يختارهم «مثقف البلاط»، ولم يدفع به ليكون خليفة غازي القصيبي في دوائر السلطة. وحقيقة ما حدث للبعض من المثقفين والنخب السعودية، من خارج مجاميع الوعاظ والدعاة، أن الحاكم أو السياسي يبدو إما أنه وجد طرقاً أخرى لمراجعة الأفكار مع غيرهم، أو أنه لم يعد مهتماً بالتواصل معهم في شكل مباشر. لكن هذا لا يبرر الوقوف مع العدو أو الخصم، لأن تفكير السياسي في التعاطي مع المثقف تحكمه عوامل عدة، يفترض في المفكرين والمثقفين أن يكونوا أكثرَ إدراكاً لها، وأقربَ تفسيراً لمقتضيات المرحلة، وأن يجدوا لها الحل بمزيد من التواصل وليس بمزيد من الخصومة. [email protected] massaaed@