لم يُبقِ ارتفاع لهب التلاسن بين وزراء الحكومة الإسرائيلية أمس مجالاً للشك بأن الائتلاف الحكومي الحالي بلغ نهاية طريقه قبل أقل من عامين على تشكيله، وأن إسرائيل انطلقت نحو انتخابات عامة مبكرة يتوقع أن تكون في آذار (مارس) المقبل، وهو ما أكده زعيم «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بقوله أمس إن الانتخابات «باتت حقيقة ناجزة». وشكّل البيان الذي أصدره مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، فور انتهاء اجتماع الأخير بشريكه الأبرز زعيم حزب»يش عتيد» وزير المال يئير لبيد، مساء الاثنين، شرارة اشتعال الساحة الحزبية إذ تضمّن صيغة الأمر للبيد بقبول خمسة شروط للبقاء في الحكومة، أبرزها إلغاء بند إعفاء أزواج شابة من دفع ضرائب إضافية على الشقق السكنية من الموازنة العامة (رغم مصادقة الحكومة عليه) وهي المسألة التي يعتبرها لبيد «بؤبؤ عين حزبه» ويعرف نتانياهو هذه الحقيقة حق المعرفة. وخرج لبيد من الاجتماع بانطباع بأن نتانياهو دعاه للاجتماع لإذلاله لا لمحاولة حل نقاط الخلاف، فيما رأى معلقون في هذه الشروط الخمسة «مسماراً أخيراً في نعش الحكومة الحالية». ولم يُعرف بعد كيف سيترجم نتانياهو خطوته لتبكير الانتخابات، لكن الاعتقاد السائد يقود نحو تقدم حزب «ليكود» باقتراح قانون لحل الكنيست، على أن يتضمن القانون بنداً واضحاً حول موعد إجراء الانتخابات (في فترة تراوح بين ثلاثة وخمسة أشهر). وليس مستبعداً أن يتم تقديم الاقتراح في جلسة اليوم. في المقابل يدرس وزراء «يش عتيد» و»الحركة» احتمال تقديم الاستقالة قبل ان تصبح الحكومة الحالية انتقالية ممنوع الخروج منها. واعتبر مراقبون الانتخابات المقبلة الأكثر غرابةً، إذ لم يحصل من قبل أن تم تبكير الانتخابات على خلفية خلافات شخصية بين أقطابها أو إشكالات عادية تتعلق بالموازنة أو بمسائل لا تعتبر جوهرية. وكتب معلق الشؤون الحزبية في «هآرتس» يوسي فرطر أن نتانياهو «سئم توليفته الحالية التي ولدت أصلاً بالإكراه وعدم الرضا، وهكذا تموت أيضاً». وأضاف أن «جل ما يريده نتانياهو من تبكير الانتخابات هو التخلص من لبيد بعد أن ساءت العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة إلى درجة القطيعة»، ليعود بعد الانتخابات إلى شركائه السابقين من حزبي المتدينين المتزمتين (الحرديم) «شاس» و»يهدوت هتوراه». وتابع أن نتانياهو يبني حساباته على فوز حزبه وأحزاب اليمين والمتدينين ب 52-54 مقعداً تشكل قاعدة متينة لحكومة جديدة برئاسته بعد أن يضم إليها حزباً آخر. وجاءت ردود الفعل من قادة الأحزاب المختلفة على شكل «خطابات انتخابية»، إذ أعلن أفيغدور ليبرمان أن وضع إسرائيل السياسي والأمني يستوجب إجراء الانتخابات في أسرع وقت بداعي أن «تحديات كثيرة تنتظرنا في الساحة السياسية فيما الإرهاب يطل برأسه». وشن لبيد هجوماً على نتانياهو «الذي قرر أن يجر إسرائيل إلى انتخابات لا لزوم لها بعد أن أتمّ صفقة مع الحرديم». وشدّد على أن لا مبرر لانتخابات باكرة، «لكن لنتانياهو مصالح سياسية ضيقة». وتابع أنه فوجئ من خطوة نتانياهو ومطالبه منه وقال: «كان أمامنا خيار أفضل، وبدلاً من هدر الأموال على انتخابات لا لزوم لها، اختار رئيس الحكومة التصرف كإنسان عديم المسؤولية الوطنية، وشرع في إغراء الحرديم ليدفع لهم من الآن من جيب الطبقات الوسطى، وسيتراجع عن قانون إلزام الشبان الحرديم الخدمة العسكرية وتقليص الدعم لمؤسساتهم الدينية». من جهته قال الرجل الثاني في «يش عتيد» وزير التعليم شاي بيرون إنه يخجل برئيس الحكومة، «وكل من ينظر إلى رئيس الحكومة يخجل أنه مواطن في إسرائيل. ومن تابعَ كيف تصرف رئيس الحكومة مع رئيس أكبر حزب (لبيد) وبلغة إملاء شروط مذلّة، يخجل برئيس الحكومة». ورد «ليكود» على لبيد ببيان حاد اللهجة جاء فيه أن لبيد «فشل فشلاً مخزياً» في إدارة الاقتصاد، واتهم لبيد بأنه منع تحويل موازنات للجيش. من جهتها قالت زعيمة «الحركة» وزيرة القضاء تسيبي ليفني إن «الحكومة الحالية كانت ستجر إسرائيل والمنطقة إلى حرب دينية. وأضافت انها لن تؤيد أي قانون متطرف ويتعارض مع المبادئ الصهيونية، ولن تسمح بأية قوانين استفزازية. وأضافت ان ا»لانتخابات ستكون بين اختيار حكومة يمينية متطرفة واستفزازية، وحكومة تطبق المبادئ الصهيونية ولا تستفز العالم». وأعلن زعيم «العمل» المعارض اسحاق هرتسوغ أنه سيعمل على تشكيل «تكتل» من أحزاب الوسط واليسار يطرح نفسه بديلاً لتكتل اليمين - المتدينين، فيما لم ينف زعيم حزب «شاس» الديني أريه درعي احتمال دخول حكومة برئاسة هرتسوغ. ونفى كل من «إسرائيل بيتنا» و»البيت اليهودي» إشاعات حول احتمال انضمام أحدهما ل»ليكود» في قائمة مشتركة (كما فعل «إسرائيل بيتنا» في الانتخابات السابقة). في غضون ذلك، علت أصوات في «ليكود» لعودة الوزير المستقيل جدعون ساعر إلى الساحة ومنافسة نتانياهو على زعامة الحزب في الانتخابات التي ستجرى في السادس من الشهر المقبل، لكن مراقبين يستبعدون أن يعود ساعر بعد شهرين فقط على استقالته. كما يستبعدون أن ينجح أي من نواب «ليكود» الحاليين في أن يكون منافساً جدياً لنتانياهو على زعامة الحزب. إلى ذلك، التقى نواب الأحزاب العربية الثلاثة الممثلة في الكنيست أمس لبحث احتمال تشكيل قائمة انتخابية واحدة بعد رفع نسبة الحسم وخطر أن لا تجتاز إحداها أو اثنتين النسبة. وطبقاً لتقديرات خبراء اقتصاديين، فإن كلفة انتخابات عامة ستصل إلى بليونيْ شيكل (نصف بليون دولار).