ألم تتعب فضائية «الجزيرة» بعد من كثرة اللت والعجن عن الإخوان والعسكر في مصر؟ ألم يبق لها في الدنيا من شؤون وشجون غير مرسي وبديع والسيسي؟ أشعر أحياناً وكأن هذه القناة أصبحت تبث إرسالها من «المقطم»، حيث يقع مركز قيادة الإخوان، وليس من الدوحة! والحق أقول لكم إني انصرفت عن مشاهدة هذه القناة «الديماغوجية» التحريضية منذ عشرة أعوام على وجه التقريب. ولو حسبت عدد الدقائق التي وقعت عيناي فيها على وجوه مذيعيها وضيوفها «الثورجية» طوال عقد من الزمان، لما تجاوز عددها نصف ساعة على الأكثر، وجل هذه الدقائق وجدت القناة فيها، وعلى جري عادتها، تنوح وتلطم على ما حلَّ بأحفاد «البنا» من توقيف وتشريد، لا أقال الله لهم عثرة أبداً. أنا لا أعجب حين أجد أحد كبار الإخوان» مثل يوسف القرضاوي ينتفض، وينتحب عبر برنامجه «الشريعة والحياة» على ما جرى لرفاقه، لكني أعجب حين أجد وجوهاً عُرفت طويلاً بميولاتها القومية والعروبية، مثل: فيصل القاسم وجميل عازر قد «تأخونت»، حتى إنه لم يعد ينقصها سوى «لحية» و«زبيبة»! لكن لِمَ العجب ما دام أن هؤلاء يقولون ما يتلى عليهم، ويفعلون ما يطلب منهم؟ وعلى ما أذكر فإني حدثتكم قبل خمسة أشهر عن ما كتبه الفيلسوف التونسي «ميزري حداد» عن توظيف مشبوه لشعبوية قناة الجزيرة ضمن سياق الاستراتيجية الأميركية - القطرية، لأجل إشعال فتيل الثورات العربية والإطاحة بالنظم الاستبدادية القائمة وإحلالها بالإخوان. وأظنكم رأيتم كيف وقفت أميركا وقطر ومن ورائهما «الجزيرة» خلف الإخوان في صعودهم ومن بعدها في محنتهم. وإذا كانت أميركا سلّمت بالرفض الشعبي للإخوان، فإن قطر ومعها جزيرتها لن تشهر الراية البيضاء، بخاصة أنها أنفقت البلايين، لأجل تتويج الجماعة بالزعامة. والحق أني لأعجب كيف لقطر أن تطمئن للإخوان، وتأمن جانبهم، فيما تاريخهم وحاضرهم ممهور بالكذب ومدموغ بالغدر! يقول أحد قادة التنظيم الخاص لجماعة الإخوان علي عشماوي، نقلاً عن كتاب «الإخوان المسلمون في الخليج»، واصفاً سلوك جماعته: «فهم يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترة من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرة، فساعدتهم السعودية وقطر والكويت والكثير من الدول العربية، فما كان منهم إلا أن أساؤوا إليهم، وطعنوهم وانقلبوا عليهم، وكما قلنا كان مدرسو الإخوان في جميع هذه البلدان يجندون الشبان، ويشحنونهم ضد حكامهم وبلدانهم، حتى ينقلبوا عليهم، وكلما وجدوا فرصة للانقضاض انتهزوها». وما شهادة عشماوي سوى واحدة من جملة شهادات لرجال خرجوا من عباءة الجماعة، بعد أن تكشّف لهم خبث نواياها وزيف أقوالها. عموماً، لا يستتم الكلام عن الجزيرة والإخوان من دون التعريج على القرضاوي. فإذا كانت الجزيرة هي الذراع الإعلامي للإخوان، فإن القرضاوي يختزل في جبته تاريخها، وهو الذي أبصر النور قبل قيام الجماعة بعامين. لقد شاع زوراً بين الناس أن القرضاوي أيقونة الاعتدال والوسطية، وما علموا أن اعتداله ووسطيته المزعومة سوى سلوك إخواني «حربائي»، يقوم على التشكل والتلون بحسب دواعٍ تكتيكية. فإذا كان الظرف لا يسمح بإشهار سيف العنف، فما عليه سوى أن ينبش في كيس التراث، ليخرج لنا ما يخدم التسامح والتصالح. وإذا كان الظرف يسمح له بالتلويح بسيف العنف فما عليه إلا أن يُخرج لنا ما يخدم أسباب الاصطدام والاقتتال. ولمّا ثار المصريون على مبارك، وجدناه ينحاز إلى ثورة الشعب لعداوته الأزلية مع النظام البائد. ولمّا انتفض الشعب ضد الاستبداد الإخواني، وجدناه ينافح عن الإخوان، بدعوى أنها حرب على الإسلام والمسلمين! وكما قرأنا وسمعنا أخيراً، فقد امتطى القرضاوي منبر الجمعة لتصفية حساباته مع دولة الإمارات في أبشع استغلال للدين في السياسة وللمقدس في المنجس. «نعم»! لن تضر «تخاريف» القرضاوي الإمارات في شيء، لكن ما يؤسف له أن سمومه كانت تُبث من قلب الدولة الشقيقة! [email protected]