ظهر تنظيم الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م فمارسوا العنفَ ضدَّ ملكيَّتها فضُيِّق عليهم؛ قال مؤرخهم محمود عبدالحليم: «إنَّ المرشد قد كاشفنا بأنَّ الهجرةَ بالدعوة إلى بلدٍ آخر يكون أقربَ إلى الإسلام من مصر سيطرت على تفكيرِه وملأت نفسَه»، ولذلك التقى حسن البنَّا عام 1936م الملك عبدالعزيز رحمه الله فطلب إنشاء فرعٍ لتنظيمه في السعوديَّة، فرفض الملك طلبه قائلاً: «كلُّنا إخوان مسلمون»، بل حذَّر مشايخ السعوديَّة من التدخُّل في السياسة تأثُّراً بتنظيم الإخوان المسلمين قائلاً: «إخواني المشايخ: أنتم الآن فوق رأسي، تماسكوا بعضكم ببعضٍ لا تدعوني أهزّ رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وأنتم تعلمون أنَّ من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضعَ فوق رأسي ثانيةً». وحين مرَّ الإخوان المسلمون بأسوأ فترات تاريخهم عام 1954م هربوا إلى السعودية ودول الخليج، فبنتْ السعوديَّة معهم علاقاتٍ قويةً كأفرادٍ وليس كتنظيمٍ، فآوتهم ووفَّرت لهم الحياة الكريمة، فتولّوا مناصب حسّاسةٍ وحصل عددٌ منهم على الجنسية السعوديَّة بل وعلى الجواز الديبلوماسيِّ، وبعد وفاة عبدالناصر والإفراج عنهم انتهزوا سنة 1973م فرصةَ الحجِّ فعقدوا اجتماعاً موسّعاً في مكة المكرّمة فشكَّلوا ثلاث لجانٍ للعضويَّة في الرياض والدمَّام، وجدَّة، وقد سهّل هذه المهمة انتشارهم في السعودية وتنظيماتهم السريَّة المحكمة فيها، ولمواجهة المدّ الناصري تبنَّتْ السعوديَّةُ التضامنَ الإسلاميَّ فأحسنت وفادتهم ليعمل عدد كبير منهم في جامعاتها وتعليمها وإعلامها؛ فخدموا أهدافَهم بنشر دعوتهم فكراً وتنظيماً فيها بالسيطرة على العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة، وعلى الجمعيات الخيريَّة، وعلى المؤسَّسات الإسلاميَّة الشموليَّة، وتغلغلوا في المجتمع السعوديِّ بشتى السبل. ففي الموسوعة الإخوانية النصُّ الآتي: «بدأ نشاطُ تنظيم الإخوان المسلمين في السعوديَّة واضحاً أثناء حكم الملك فيصل رحمه الله حيث كانت العلاقات السعودية المصريَّة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في أقصى توتُّرها، وبعد رحيله حدث تقاربٌ بين الرئيس السادات والملك فيصل محقِّقاً تقارباً بين الإخوان والسادات، فسيطر الإخوان المسلمون على المناحي التعليمية الجامعيَّة وعلى المنابر الإعلامية السعودية»، فإذا كان ما تخفيه هذه الجماعة في دول خليجيَّة صُرّح لها بالعمل فيها تحت مسمّيات أخرى يكتنفه الغموضُ فكيف بما أخفته في السعوديَّة التي لم تسمح أبداً بقيام مثل هذه التنظيمات؟، ولكنَّهم استخدموا أراضيها كما كشفه القرضاوي: «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كان يعقد اجتماعاتٍ في مكة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة أثناء مواسم العمرة والحج»، وفيها اختار الإخوان المسلمون في السعودية مسؤولاً عنهم فجنَّد السعوديِّين في تنظيمهم، وفي مذكرة اتهامٍ مصريَّةٍ حول «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» عام 2009م ورد ما نصّه: «جناح التنظيم في السعوديَّة، ويتخذ التنظيم من مكتباتها غطاءً لحركته وستاراً لعقد لقاءاتٍ سريَّةٍ لتلافي الرصد الأمنيِّ، ونسبتْ المذكرةُ لمسؤول التنظيم في منطقة مكةالمكرمة ويضمُّ سعوديين ومصريين عاملين في المملكة». التقى رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية بتاريخ 23 نوفمبر 2002م الأمير نايف رحمه الله وزير الداخلية آنذاك فأنحى الأميرُ باللائمة على الإخوان المسلمين قائلا: «إنَّهم هم أصل البلاء ومصدر كل المشكلات، وإنَّهم تسبَّبوا في مشكلات جمَّة للمملكة»، وأضاف: «إن الإخوان لما اشتدَّتْ عليهم الأمورُ لجأوا إلى المملكة فتحملتهم وصانتهم، وفتحتْ أمامهم أبوابَ المدارس والجامعات، لكن مع الأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة، فأخذوا يجنِّدون الناس وينشئون التيَّارات، إنهم أساءوا للمملكة كثيراً»، وقال: «عندما غزت العراقُ الكويتَ، جاءنا علماء كثيرون من الإخوان المسلمين فاجتمعوا بالملك وبولي العهد وقلنا لهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة؟، وهل الكويت تهدِّد العراق؟، قالوا والله نحن أتينا فقط لنسمع ونأخذ الآراء، بعد ذلك وصلوا إلى العراق، ونفاجأ بهم يصدرون بياناً يؤيد الغزو العراقيَّ للكويت»، ولئن كان مستغرباً مثل هذه المواقف ضدّ السعودية فإنَّ علي عشماوي يعتبرها سلوكاً إخوانياً بقوله: «إنَّهم يجيدون إيذاء كل من وقف معهم، فقد ساعدتهم السعودية وقطر والكويت وكثير من الدول العربية، فما كان منهم إلا أن أساءوا إليهم، وكان مدرسو الإخوان في جميع هذه البلدان يجنّدون الشباب ويشحنونهم ضدّ حكّامهم حتى ينقلبوا عليهم وكلما وجدوا فرصةً للانقضاض انتهزوها». فإذا كان هذا تاريخهم بما انكشفوا فيه أهدافاً ودوافع، بالرغم من أنَّ الملك عبدالعزيز يرحمه الله رفض افتتاح فرع لتنظيمهم، وأنَّ الملك فيصل يرحمه الله أجارهم في محنتهم وتعامل معهم كأفراد فهيَّأت الدولة لهم الإقامة والعمل، وجنَّست بعضهم ومنحت آخرين الإقامة الدائمة، ولكنَّهم لم يحترموا ذلك فنشروا أفكارهم وأهدافهم بين الشباب السعوديِّ وجنَّدوهم لصالح التنظيم ضدَّ وطنهم، ويسَّروا لهم الابتعاث لمصر ليشرف عليهم في الدراسات العليا إخوانٌ مسلمون اسْتُقْدِمُوا فيما بعد من قبل طلاَّبهم الذين تولوا مناصب في جامعاتنا ليستكملوا مع سابقيهم وطلاَّبهم من الإخوان المسلمين السعوديِّين أهدافهم ومخطَّطاتهم السريَّة ضد المملكة، وذلك هو موقفهم من غزو العراق للكويت، وتلك هي مواقف خلاياهم ومؤامراتهم في دول الخليج قبل أن يحكموا مصر، ومن ثمَّ مواقفهم حينما حكموها بالضغط على دول الخليج بعلاقاتهم مع إيران، وما انكشفوا فيه لاحقاً ظنّاً منهم البقاء حكَّاماً لمصر، وإذْ تنبَّهت مصر أزاحتهم في 30 يونيو، ومن السهل التعرُّف عليهم في بلادنا وعلى أوائلهم والمستقدمين بعد ذلك، وعلى طلاَّبهم السعوديِّين وقد صرَّحوا عن أنفسهم قبل وبعد هنا وهناك وفي كتبهم وخطبهم، فشعب السعوديَّة مسلم لا يقبل من يعبث بأمنه واستقراره من الإخوان المسلمين مواطنين أو غيرهم.