عقد المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي محادثات منفصلة مع وفدي الحكومة السورية و «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في جنيف بهدف توفير «الأرضية المشتركة» لعقد جلسات ثلاثية، في وقت اقترحت موسكو عقد اجتماع بين مسؤولين روس وأميركيين ودوليين مع الجانبين السوريين. وأفاد مصدر في الأممالمتحدة أمس، أن الإبراهيمي اجتمع أولاً مع وفد «الائتلاف» برئاسة هادي البحرة قبل لقائه الوفد الحكومي برئاسة السفير بشار الجعفري، مشيراً إلى أن اللقاءين المنفصلين تناولا «أموراً تتعلق بوقف العنف والإرهاب وتأسيس هيئة حكم انتقالية وفق بيان جنيف الأول الصادر في حزيران (يونيو) 2012». وأوضحت مصادر «الائتلاف» أن لقاء البحرة والإبراهيمي تناول «أجندة الجولة الثانية وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي بموجب بيان جنيف1، حيث طلب وفد الائتلاف مناقشة وقف عنف النظام ووحشيته في كل من حلب (شمال) وداريا (جنوبدمشق) اللتين يقصفهما بالبراميل المتفجرة، ذلك أن الوفد قدم تقريراً موثقاً حول آثار عنف النظام المستمر في سورية منذ ثلاث سنوات ولا سيما تصعيده العنف خلال مفاوضات جنيف، وأرفقه بعدد من الوثائق، منها وثيقة بأسماء 1805 شهداء سقطوا في قصف النظام بالبراميل منذ بدء مؤتمر جنيف2، أكثر من 800 منهم في حلب، وتقارير موثقة عن التعذيب والقتل والإخفاء القسري». وتابعت المصادر أن البحرة «عرض رسالة من المجلس المحلي لمدينة داريا حول الحصار والقصف اليومي بالبراميل، متضمناً مطالبتهم بإيصال القوافل الغذائية والطبية مع ضمان سلامة عبورها وتقريراً عن انتهاكات النظام لاتفاقي رفع الحصار عن المعضمية (جنوب غربي دمشق) وبرزة (شمال العاصمة) وتقريراً ثالثاً من مجلس محافظة حمص (وسط) حول انتهاكات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار بينه وبين الأممالمتحدة في حمص القديمة». وتابعت المصادر أن البحرة قال إن «الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد تجعل أي حديث عن وقف العنف والانتهاكات التي يمارسها غير ذي جدوى، ما لم تبدأ عملية الانتقال السياسي»، قبل أن يؤكد أن «الخطوة الأولى لوقف العنف في سورية هي تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، بحيث تكون مهمتها الأساسية توفير بيئة مناسبة لتحقيق العملية الانتقالية في سورية». وأشارت إلى أنه «قدم بيان مبادئ أساسية لاتفاق تسوية سياسية في جنيف2، كرد على التساؤلات التي طرحها الإبراهيمي على الطرفين في نهاية الجولة السابقة من المفاوضات، حيث أكد أن هيئة الحكم الانتقالي ستؤسس آلية لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية وبدء عملية العدالة الانتقالية، ومعالجة كل المظالم بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين والسعي للكشف عن مصير المفقودين»، الأمر الذي أكد عليه لؤي صافي في تصريحاته بعد لقاء الإبراهيمي أمس. وأشار وفد «الائتلاف» إلى أن «أي مناقشة لموضوع العنف يجب أن تقترن بمناقشة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب من قبل النظام»، داعياً إلى «تكثيف جلسات التفاوض وفترتها الزمنية لأنه لا يجوز إضاعة الوقت بينما يقوم النظام باقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في شكل يومي في سورية». من جهته، طالب وفد النظام بإدانة «مجزرة» قرية معان العلوية في ريف حماة (وسط)، والتي راح ضحيتها أكثر من أربعين شخصاً، بحسب ما أعلن نائب وزير الخارجية فيصل المقداد. وأكد المقداد استعداد دمشق «بلا تردد لبحث مسألة هيئة الحكم الانتقالية التي تطالب بها المعارضة وفق بيان جنيف1، شرط معالجة بنوده بالتدرج». وقال المقداد: «نؤكد أننا وضعنا عملية مكافحة الإرهاب ووقف العنف على مقدمة جدول أعمالنا في جنيف»، معتبراً أنه «لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نتحدث عن عملية سلمية حقيقية إلا عندما يتوقف القتل والإرهاب». وتابع: «نحن نقول باننا يجب أن نناقش جدول الأعمال الذي طرحه جنيف1 بنداً بنداً وصولاً إلى كل المشاكل. أود أن أكون صريحاً ومباشراً، نحن لن نتردد في مناقشة موضوع الحكومة الانتقالية عندما يحين الوقت المناسب لذلك على جدول أعمال جنيف، وليس من خلال أولويات مصطنعة ووهمية ومفبركة يريد البعض فرضها على هذا الاجتماع». واتفق الطرفان خلال الجولة الأولى على أن الهدف من «جنيف2» هو تطبيق بيان «جنيف1». لكن المشكلة تكمن في التفسيرات المختلفة التي يعطيها كل من الطرفين إلى مضمون هذا البيان. وينص بيان «جنيف1» الذي تم التوصل إليه في مؤتمر غاب عنه كل الأطراف السوريين على تشكيل حكومة من ممثلين عن النظام والمعارضة بصلاحيات كاملة تتولى المرحلة الانتقالية. وتعتبر المعارضة أن نقل الصلاحيات يعني تنحي بشار الأسد، وهو ما يرفض النظام التطرق إليه، مؤكداً أن مصير الرئيس يقرره الشعب السوري من خلال صناديق الاقتراع. كما ينص الاتفاق الذي وضعته الدول الخمس الكبرى وألمانيا والجامعة العربية، على «وقف فوري للعنف بكل أشكاله» وإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق المعتقلين والحفاظ على مؤسسات الدولة. في موسكو، نقل عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله إن روسيا اقترحت عقد اجتماع لمسؤولين روس وأميركيين ومن الأممالمتحدة ووفدي الحكومة والمعارضة السورية في إطار محادثات السلام في جنيف. وذكرت الوكالة الروسية للإعلام التي تديرها الدولة أن بوغدانوف قال إن ممثلي روسيا والولايات المتحدةوالأممالمتحدة يمكن أن يعقدوا اجتماعاً واحداً مع الجانبين السوريين أو اجتماعين منفصلين مع الحكومة والمعارضة. نص مذكرة المبعوث الدولي - العربي جنيف - رويترز -في ما يأتي نص المذكرة التي سلمها المبعوث الدولي - العربي الاخضر الابراهيمي الى وفدي الحكومة السورية و «الائتلاف الوطني السوري» المعارض: «الأمل كبير في أن تكون الجولة الثانية من المفاوضات الدائرة في إطار مؤتمر «جنيف 2» ابتداء من يوم الاثنين 10 شباط (فبراير) 2014 مثمرة بما يخدم مصلحة الشعب السوري ويساهم في رفع المعاناة التي يتألم منها ويوقف العنف بكل أشكاله ويفتح المجال لبناء سورية الجديدة التي يتطلع اليها الشعب السوري بجميع أطيافه. وتتضمن هذه المذكرة بعض الأفكار يستخلص منها جدول للأعمال خلال الاسبوع المقبل. كما تتضمن بعض الاقتراحات الخاصة بتنظيم الاجتماعات. والأمل في أن يساعد ذلك على تحصيل الفائدة الممكنة منها آخذين في الاعتبار ما أمكن استخلاصه من الدورة الماضية. مبادئ بيان «جنيف1» وأكدت الجولة الأولى على تواضع انجازاتها أن مؤتمر «جنيف 2» قائم أساساً على بيان جنيف الصادر في 30 حزيران (يونيو) 2012 ويهدف إلى تطبيق بنوده كلها سعياً لإنهاء الأزمة السورية وإعادة السلم والاستقرار إلى سورية وجميع أبنائها. ويحتوي بيان جنيف على عدد من المبادئ الاساسية والبديهية التي لا يختلف عليها اثنان في سورية، وهي مستلهمة في معظمها من روح ميثاق الاممالمتحدة إن لم تكن من نصه. وهذه المبادئ تشكل القاعدة الصلبة التي ستستند إليها المفاوضات بين الطرفين السوريين وهي: 1) وحدة سورية شعباً وأرضاً. 2) احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها ويشمل ذلك نبذ التدخلات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة. 3) مستقبل سورية يحدده الشعب السوري وحده. 4) التوصل إلى وقف كل أشكال العنف بما يشمل نبذ الإرهاب ومكافحته. 5) العمل على خلق جو يوفر الأمن والأمان للجميع ويحقق الاستقرار والهدوء في كل أنحاء سورية. 6) الكرامة حق لكل انسان وكذلك تأمين الحماية لجميع أطياف الشعب السوري بعيداً من الثأر من أي فرد أو جماعة وتقديم يد العون والإغاثة الى كل من يحتاج إليها من دون تمييز، كما يتم بذل كل الجهود من أجل الإفراج عن كل المعتقلين والمحتجزين والمخطوفين والبحث في مصير المفقودين. 7) استمرارية مؤسسات الدولة وتطمين العاملين فيها والمحافظة على الخدمات العامة وضمان مواصلة تقديمها للناس تحت قيادات تبعث على الثقة. اضافة إلى ما سبق، فإن بيان جنيف يشير أيضاً إلى بعض السمات المتصلة بالرؤية الشاملة الخاصة بمستقبل سورية والتي ستنعكس في الاتفاق النهائي الذي سيصدر في هذا المجهود: 1) أن تكون الدولة ديموقراطية وتعددية حقاً تفتح المجال واسعاً لكل التيارات السياسية وتمكّن كل الاطراف من التنافس النزيه والعادل والمتساوي في أي عملية انتخابية. 2) الالتزام بمبادئ حقوق الانسان. 3) مساءلة من هم في الحكم. 4) سيادة القانون واحترام المواثيق والقوانين الدولية. 5) أن يتمتع كل فرد بفرص متساوية. 6) نبذ الطائفية والتمييز بين الناس على أسس عرقية أو دينية أو لغوية أو أية أسس أخرى. 7) تطمين الطوائف الصغيرة الى أن حقوقها ستكون مصانة. 8) المصالحة الوطنية والصفح والعدالة الانتقالية. والمسألة الرئيسة في هذه المفاوضات هي كيف يتمكن السوريون المشتركون في هذا الجهد من التوصل إلى حل نهائي للأزمة السورية بالاعتماد على المبادئ الاساسية والرؤية المستقبلية المشار إليها أعلاه، والبنود الآتية هي الأخرى من الامور التي لا يصعب الاتفاق حولها: 1) الهدف هو التوصل إلى اتفاق سياسي من خلال تنفيذ بيان جنيف. 2) تنفيذ كل الخطوات المنصوص عليها في بيان «جنيف 1» ومنها إنشاء هيئة الحكم الانتقالية وتزويدها كل الصلاحيات التنفيذية وإنهاء العنف بأشكاله والحوار الوطني والمصالحة الوطنية والإجراءات الدستورية والموافقة عليها. 3) يتم ذلك كله وفق جدول زمني محكم. 4) العمل على خلق جو مناسب للتوصل إلى حل سياسي في أقرب وقت ممكن. 5) وذلك كله من خلال عملية يقودها السوريون أنفسهم. 6) ضمان مساهمة فعلية للمرأة في كل مراحل العملية السياسية. ويتضح مما سبق أن هناك أرضية واسعة يمكن الارتكاز عليها والانطلاق منها إلى المواضيع الرئيسة في البيان، وهي كما تأكد في أثناء الحديث الذي دار في الجولة الأولى: 1) الاتفاق في شأن هيئة الحكم الانتقالية وتحديد صلاحياتها الكاملة وتعيين أعضائها والبحث في ما يلزم من تحضيرات وإجراءات من أجل تمكينها من أداء مهماتها والإشراف على الخطوات التالية أثناء المرحلة الانتقالية. 2) وضع حد للعنف بكل أشكاله بما في ذلك ما يلزم من أجل محاربة الارهاب والقضاء على كل مظاهره. ولا شك في أن الشعب السوري قد نفد صبره وهو ينتظر نهاية العنف ومظاهره الفتاكة التي تنهال عليه في شكل صواريخ وقنابل وسيارات مفخخة، بل وسلاح كيماوي فقضى ما يزيد عن مئة ألف بكثير من أبنائه وتحطمت منازلهم وعمّ الخراب مدنهم وقراهم وهجّر الملايين منهم ودمرت مستشفياتهم ومدارس أولادهم، كما أصاب الدمار حتى ماضيهم المجيد فهُدمت المساجد والكنائس العتيقة وتعرضت آثارهم للتدمير والسرقة. فهل يتمكن الطرفان القادمان إلى جنيف ابتداء من يوم 10 شباط المقبل من المساهمة ولو بالشيء القليل في تخفيف مظاهر العنف بوقف استعمال بعض أنواع الاسلحة والتوصل إلى وقف القتال في بعض الاماكن ولو لمدة قليلة وفتح الطرق أمام قوافل الإغاثة إلى كل محتاج، بخاصة في الاماكن المحاصرة؟ ومهما يكن من أمر، لن يتم التوصل إلى وقف شامل للعنف إلا في إطار الاتفاق الشامل الذي يتطلع إليه الشعب السوري كله، والأمل كل الأمل أن تكون اجتماعات جنيف هذه خطوات ثابتة نحو ذلك الهدف. وتجدر الاشارة هنا إلى قائمة الاسئلة الخاصة بموضوع العنف والارهاب التي وزعت على الوفدين أثناء الجولة الأولى والتي تتطلب المزيد من النقاش. أما عن هيئة الحكم الانتقالية، فقائمة الاسئلة التي وزعت على الوفدين المرة الماضية صالحة هي الاخرى لمواصلة الحديث حولها في هذه الجولة الثانية. وإنني لأدرك تمام الادراك أن موضوعي إقامة هيئة الحكم الانتقالية وإنهاء العنف ومحاربة الارهاب، هما من أهم الموضوعات التي يجب معالجتها من أجل تطبيق بيان جنيف تطبيقاً كاملاً. كما أن الموضوعين من أكثر الموضوعات تعقيداً وحساسية، وستتطلب معالجة كل من الموضوعين جلسات عدة ومناقشات طويلة. غير أن مستقبل هذه العملية السياسية وإمكانية إنجاحها يتطلبان إعلاناً واضحاً من البداية بأن لدى الطرفين الارادة السياسية الكاملة والقوية للتعامل مع هاتين القضيتين بما يتطلبه الامر من شجاعة وإصرار ومثابرة وانفتاح من أجل التوصل إلى الحلول الناجعة لكل المسائل مهما كانت معقدة وشائكة. يبقى سؤال أخير: من الأهم ولمن الأولوية: انهاء العنف ومحاربة الارهاب أم اقامة هيئة الحكم الانتقالية؟ لا شك في أن أي تقدم نحو إنهاء العنف أو أي تقدم في محاربة الارهاب من شأنهما أن يساعدا على خلق الجو المناسب للتقدم في تحقيق التوافق المطلوب حول هيئة الحكم الانتقالية. ومن الناحية الأخرى، لا شك أيضاً في أن التقدم في تحقيق التفاهم اللازم حول هيئة الحكم الانتقالية سيساعد في التقليل من العنف ثم في انهائه وكذلك التعاون في محاربة الارهاب، ومن هنا أهمية التعامل مع الموضوعين بالتوازي. اضافة إلى هذين الموضوعين الهامين، يمكن النظر في بندين آخرين في أثناء الجولة الثانية وهما: 1) مؤسسات الدولة بين الاستمرارية والتغيير فمن ناحية يتم النظر في طبيعة العلاقة بين هيئة الحكم الانتقالية ومؤسسات الدولة الأساسية الاخرى، ومن ناحية أخرى ينظر الطرفان في ما تحتاج اليه تلك المؤسسات من اصلاح وتغيير وما يلزم اتخاذه من خطوات وإجراءات لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة وتمكينها من مواصلة أو استئناف تقديم خدماتها للناس في إطار البيئة الناشئة عن الاتفاق الذي يؤمل أن يتم التوصل اليه في جنيف. 2) الحوار الوطني والمصالحة الوطنية: يتطلع الشعب السوري بنخبه وتنظيمات المجتمع المدني فيه وعامة الناس إلى مؤتمر جنيف وما سيتحقق لهم من جراء اجتماعات الطرفين السوريين. كما يريد الكثيرون، ومنهم المرأة والشباب والمثقفون، أن تسمع آراؤهم في ما يخص مستقبل بلادهم. جدول الأعمال المقترح: - إنهاء العنف ومحاربة الارهاب. - إقامة هيئة الحكم الانتقالية. - مؤسسات الدولة بين الاستمرارية والتغيير. - الحوار الوطني والمصالحة الوطنية. أسلوب العمل في لقاءات الجولة الثانية: لم تنتج من الجلسات العامة في أثناء الجولة الأولى نتيجة تذكر. لذا فلعله يكون من الافضل هذه المرة أن تنظم اجتماعات منفردة، يكون الاول في الساعة العاشرة مع وفد المعارضة والثاني في الساعة الحادية عشرة والنصف مع الوفد الحكومي. ولعله من الأفضل تأخير الجلسات العامة إلى اليوم الثاني أو الثالث على أمل أن تنتج الجلسات المنفردة بعض النتائج الايجابية. كذلك يمكن أن يزور الممثل الخاص المشترك رئيس كل من الوفدين مساء يوم الأحد (الامر الذي حصل) للاتفاق على التفاصيل الاجرائية وغيرها. وفي الختام، فالأمل كبير في أن تجرى الحوارات خلال الاجتماعات المقبلة في أجواء يسودها الاحترام المتبادل والاستعداد للاستماع الى الرأي الآخر وتجنب الاتهامات. جنيف في 7 شباط 2014