واصل وزير الخارجية الإسرائيلي، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان إطلاق تصريحات تعتبر «معتدلة» قياساً بتصريحاته السابقة الأشد تطرفاً على الساحة الحزبية الإسرائيلية، إذ أعلن أمس في مقابلة للإذاعة العسكرية أنه خلافاً لزعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، فإنه مستعد لإخلاء بيت في مستوطنة «نوكديم» في حال اقتنع أن التسوية السياسية للصراع مع الفلسطينيين «تؤمّن مصالح إسرائيل كلها». وجاء تصريح ليبرمان للإذاعة العسكرية وسط انشغال وسائل الإعلام العبرية بعناوينها وتعليقاتها بتصريحات ليبرمان الجمعة الماضي المؤيدة لجهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري والمنتقدة بشدة لزميله بينيت على تهجمه على كيري. وتساءل المعلقون عن دوافع ليبرمان «لتغيير جلده»، وهو الذي نبذته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على خلفية استخفافه بالعملية السلمية مع الفلسطينيين. وكتب المعلق السياسي في «يديعوت أحرونوت» شمعوتن شيفر أنه «لو سمع ايفيت (الاسم الأول لوزير الخارجية الروسي المولد قبل تغييره لأفيغدور)، صاحب خطابات تهديد أسوان وطهران، الخطاب الأخير لليبرمان الأخير، لنَتَف شعر رأسه بكل تأكيد». وأضاف أن من المفارقات أن يصبح ليبرمان «الرجل المتزن والعقلاني والمعتدل في حكومة نتانياهو». ورأى أن ليبرمان «الذي لم يكن ذات يوم أيديولوجياً إنما معروف أنه براغماتي وبارد»، اتخذ قراراً بتغيير الصورة المرتسمة له عن قناعة، إذ رأى أن صورة «الولد السيء المنبوذ دولياً الذي لم تدس قدماه عتبة البيت الأبيض لم تحقق له أي مكاسب»، فاختار منحىً آخر يمهد لفرش البساط الأحمر له في البيت الأبيض على أن يواصل بناء شعبيته عبر اتخاذ مواقف متطرفة من عرب الداخل، مثل مشروعه لضم منطقة المثلث على مئات آلاف فلسطينييها إلى الدولة الفلسطينية، في مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل. ونفى ليبرمان في تصريحاته الإذاعية أن يكون بدّل مواقفه، موضحاً أن ما قاله في تصريحاته الأخيرة سبق أن قاله في الماضي البعيد. وقال: «ليبرمان هو ليبرمان نفسه ... وما قلته عن أن وحدة الشعب أهم من وحدة الأراضي سبق أن قلته وكتبته عام 2004»، متهماً الإعلام بأنه يحمل آراء مسبقة عنه. وأضاف أنه لا يرى نفسه كمن أصبح أكثر اعتدالاً وتصالحاً «إنما أتحرك بشكل واقعي وبراغماتي، لا جديد في تصريحاتي ... الحديث عن الشاب الذي يركل أو البالغ المسؤول يندرج في إطار الآراء المسبقة». وتابع أنه سبق أن أيد حل الدولتين للشعبين، لكن مع إضافة المقاربة القائلة بتبادل أراض وسكان «بهدف خلق دولتين أكثر تجانساً». وزاد: «هناك من يرفض التنازل عن شبر واحد، وهناك من يريد تسوية سريعة، وحزبنا يؤيد الاتفاق لكن ليس بأي ثمن. لدينا عدد من الاتفاقات مع ثقوب كثيرة مثل الجبنة السويسرية بل أكثر منها ... نريد اتفاقاً من دون ثقوب». ورد مسؤولون كبار في «البيت اليهودي» على انتقادات ليبرمان لزعيم حزبهم بالقول إن «ليبرمان ليس مستقراً على رأي، ونأمل في أن يتوقف عن التعرج قريباً لنتمكن من معرفة هل هذا ميخائيل بن أري (النائب السابق من حزب كهانا الفاشي) أو تسيبي ليفني اليسارية». وعزا هؤلاء «اعتدال» ليبرمان ودعمه جهود كيري إلى «الضغط الذي يعيشه بفعل الكارثة في صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة الأخيرة (في إشارة إلى تراجع المقاعد البرلمانية لحزبه من 15 إلى 12). ورأوا أن ليبرمان يخشى أن يخسر 70 في المئة من مصوتيه، وأنه «يخشى نفوذ بينيت». وأضاف أحدهم متهكماً من ليبرمان بالقول إن الأخير يشعر بسعادة ومتعة كبيرتين من العناق الأميركي له، «أما نحن فسنواصل حماية مصالح إسرائيل، ولن ندمن العناق الأميركي لأن أمن مواطني إسرائيل أهم من الإطراء الأميركي». ولمّحت رئيسة طاقم المفاوضات الإسرائيلي، وزيرة القضاء تسيبي ليفني أمس إلى أن السلطة الفلسطينية قد تعترف بإسرائيل «دولة يهودية»، من دون أن تدلي بتفاصيل وافية تؤكد تلميحها. وذكرت وسائل الإعلام العبرية أن وزير البناء والإسكان من حزب «البيت اليهودي» أوري آريئل سأل ليفني خلال جلسة للجنة الوزارية للتشريع قائلاً: «بالنسبة الينا، واضح أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، لكن هذا ما لن يقبل به الفلسطينيون أبداً»، فردت عليه إن عليه الانتظار قبل ان يقول هذا الكلام «فربما قد تفاجَأ ... وهل إذا ما اعترفوا بنا كدولة يهودية، ستكون مستعداً لتقسيم البلاد». وتساءل مراقبون عما إذا كان كلام ليفني ينطوي حقاً على حقائق جديدة سجلتها المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وإن استذكروا التصريح الأخير للرئيس محمود عباس (أبو مازن) لصحيفة «نيويورك تايمز» قبل أسبوع بأن الفلسطينيين لن يعترفوا بإسرائيل دولة الشعب اليهودي في إطار أي تسوية دائمة. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو رد على هذا التصريح باعتبار أنه يشكل عقبة في التقدم في المفاوضات، داعياً المجتمع الدولي إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية الفشل، مضيفاً أنه من دون هذا الاعتراف لا جدوى من المفاوضات.