قبل أن يسطع نجم الكرة اليابانية هوندا في ملاعب أوروبا كان الناس يكتفون بإبداء إعجابهم بسيارة هوندا أو دراجاتها النارية، وقبل أن يتألق كاغاوا في مانشستر يونايتد، كانت جموع الجماهير اليابانية تنتقل كل أسبوع إلى إيطاليا لمتابعة أسطورة الكرة في بلاد الشمس هيديتوشي ناكاتا الذي تنقل كالرحالة بين أندية بيروجيا وروما وبارما وبولونيا وفيورونتينا.. فكان بالنسبة إليهم سفير اللعبة الأكثر شعبية في العالم.. وكأنهم يريدون أن يقولوا للعالم «نحن قادرون على إنتاج النجوم مثلما ننتج السيارات والهواتف المحمولة..». وقد التقيت ناكاتا وسألته عن تجربته في إيطاليا، فأجاب ضاحكاً، وهو مؤدب جداً: «لا يمكنني نسيانها.. فاليابان لم تفارقني أبداً، لأنني أرى كل أسبوع مئات اليابانيين واليابانيات في مدرجات الملاعب الإيطالية.. وأعرف أنهم جاؤوا للتباهي بابن اليابان.. وهذا يدعوني إلى الفخر». وإذا قمنا بتحميض الصورة عربياً، فإن هذا الميركاتو الشتوي أزاح الستار عن تنقلات عدد من اللاعبين العرب في أندية كبيرة، وهذا دليل على أن العرب ليسوا أصحاب عنف وإرهاب وتزمت وثورات وثروات.. ولكنهم يقدمون لملاعب العالم نجوماً لا تقل قيمة عن بن مبارك وماجر ومجدي عبدالغني، وزيدان وبن زيمة، أمثال محمد صلاح الذي كسر القاعدة المصرية في احتراف لاعبين ممتازين خلال فترات قصيرة ثم يعودون إلى الأجواء الزمهلاوية.. فصلاح الذي بدأ بوضع قدميه على الأرض، يعرف أن الوصول إلى القمة يتطلب الصبر والإرادة والإدراك بأن وراءه مئة مليون مصري ومثلهم من العرب ينتظرون نجاحه، وهو اللاعب الموهوب جداً.. ومثله فعل الجزائري فوزي غلام الذي لم ينتظر طويلاً ليلتحق بنابولي، مقتفياً آثار من سبقه من نجوم الكرة الجزائرية، مراد مغني وعبدالقادر غزال وجمال الدين مصباح وإسحق بلفوضيل.. ولا شك في أن مجرد اللعب في دوري مرجعي في كرة القدم يمنح اللاعب قيمة ويؤهله للعب في أية بطولة أخرى. ولعل التيهان الذي قضاه نجم الكرة المغربية تاعرابت بلغ سقفه في نادي الميلان الذي سيستفيد من موهبته ومهاراته، ويمكنه أن يعزز، إلى جانب لاعب روما بن عطية، الحضور المميز للكرة المغربية الباحثة عن نفسها، على رغم توفر شروط النجاح بعد سلسلة الإخفاقات التي لو اجتمع عرافو مراكش وفاس ما عرفوا سببها، لأنه نفسي في الدرجة الثانية، وتخطيطي في الدرجة الأولى.. ونجح نجم الكرة التونسية أيمن عبدالنور في «افتكاك» مكانته بين كبار موناكو، إذ يسعى البليونير الروسي إلى جلب اللاعبين، الذين لا يمكن لصفقاتهم إلا أن تناقش في مجلس الأمن، من أمثال ميسي ورونالدو.. قد يكون ضرباً من الجنون، ولله في خلقه شؤون. إن الموهبة الكروية موجودة لدى العرب، ولعل فوز منتخب ليبيا بكأس أمم أفريقيا للمحليين أبان عن قدرات كامنة تحتاج إلى بيئة خاصة بها لتبرز. وفعل الليبيون منذ أيام، مثل ما فعل العراقيون الشيء نفسه بإحراز كأس آسيا في العام 2007، وكانت اللحظة تاريخية في بلدين يعرف الجميع أنهما مرا، ويمران، بظروف صعبة جداً، وأن الناس في طرابلس وبنغازي وبغداد والبصرة أتعبتهم السياسة والانفلات الأمني، فصاروا يبحثون عن لحظة فرح، فجاءت على يد شباب مؤمن بحق شعبه في أن يخرج إلى الشارع هاتفاً بحياة ليبيا أو العراق أو غيرهما.. ويدوخ من لا يرى الحل في الجلد المنفوخ. [email protected]