تتسابق الشركات لدخول الأسواق الكبيرة التي تضم أعداداً كبيرة من العملاء، سعياً للحصول على أرباح ضخمة. هذا منطق اقتصادي يحكم العلاقات التجارية بين الدول. وقد يتصور بعض الناس أن هذا المنطق ينطبق على السلع والخدمات وحدها، لكن المفارقة تكمن في أنه ينطبق أيضاً على المرضى. فمع كل إعلان عن علاج جديد لمرض فيروس الكبد من النوع «سي»، تسارع وزارة الصحة المصرية إلى تشكيل لجنة للتفاوض مع الشركة المنتجة ذلك العلاجَ، مستندة في ذلك إلى أنها أكبر سوق عالمياً لعلاجات فيروس الكبد «سي». ويرجع ذلك إلى أن مصر تعتبر الأولى عالمياً في الإصابة بهذا المرض، وفق إحصاءات «منظمة الصحة العالمية»، بل إنها سوق تضم في جنباتها قرابة 10 ملايين مصاب. أيدٍ علمية مبدعة هناك نموذج عن هذا الأمر ظهر أخيراً، عقب الإعلان عن اكتشاف علاج جديد لفيروس الكبد من النوع «سي» أنجزه الدكتور ريمون شينازي، أستاذ طب الأطفال ومدير معامل بحوث الدواء في جامعة «إيموري» الأميركية. وبعيد أن سجل شينازي علاجه تحت إشراف «مكتب الغذاء والدواء» الأميركي، أعطت الحكومة المصرية هذا الأمر اهتماماً كبيراً. وكذلك تحركت آمال ملايين المرضى المصريين، بالشفاء من هذا الفيروس الذي تحصد مضاعفاته أرواح آلاف المصريين سنوياً. واشتهر شينازي أيضاً بأنه مبتكر الكثير من أدوية علاج فيروس نقص المناعة البشري «أيدز» وفيروس الكبد «بي»، ما لفت الأنظار إلى إعلانه أنه اكتشف دواءً جديداً لعلاج فيروس الكبد «سي»، تتخطى فاعليته 90 في المئة ولا يولّد سوى القليل جداً من الأعراض الجانبية. وعلق الدكتور عبدالحميد أباظة، المختص في أمراض الكبد ومساعد وزير الصحة المصري، على إنجاز شينازي بالإشارة إلى أن العلاجات الجديدة لفيروس الكبد «سي» تمثل «ثورة علمية لا يمكن تجاهلها» بصورة عامة. وذكر أن المهتمين بالبحوث تتحدث عن نتائج شفاء تصل إلى 100 في المئة وليس مجرد السيطرة على المرض. وفي المقابل، أورد أباظة بعض التحفظات عن العقار الجديد الذي اكتشفه شينازي، منها أن معظم التجارب الإكلينيكية التي أجريت عليه شملت النوع البشري الجيني (1) وهو الفصيل المنتشر في أوروبا وأميركا. وبين أن التجارب النوع البشري الجيني (4) المنتشر في مصر، كانت محدودة تماماً. «نحتاج إلى إجراء مزيد من التجارب. ونعكف حاضراً على هذا الأمر في الجامعات وبعض مراكز البحوث في مصر. ونتوقع أن تظهر نتائج التجارب المصرية في غضون 6 أشهر، لتحسم مدى ملاءمة العلاج الجديد للمرضى المصريين»، كما قال أباظة. دواء معقد أيضاً كذلك بيّن أباظة أن العقار الجديد يؤخذ عليه ارتفاع سعره الذي يصل إلى 80 ألف دولار لكل دورة علاجية كاملة، لأنه لا يزال في مرحلة استرداد مصاريف البحوث. وأوضح أيضاً أن ذلك دفع وزيرة الصحة المصرية الدكتورة مها الرباط لتشكيل لجنة برئاستها للتفاوض مع الشركة الأميركية المنتجة للدواء الجديد لخفض سعره، على غرار ما حدث من قبل مع دواء العلاج الكيمياوي للأورام. وتوقع أن يصل التفاوض إلى سعر تستطيع الدولة تحمله لإدراجه ضمن مظلة التأمين الصحي، مع مشاركة من المرضى. وفي ما يخص تصنيع الدواء في مصر، ذكر أباظة أن هذا يحتاج إلى موافقة الشركة المنتجة، مشيراً إلى وجود تفاوض معها، وملاحظاً أن ضخامة عدد مرضى فيروس الكبد «سي» يجعل مصر دولة مهمة للشركة التي تنتج الدواء الجديد. ماذا عن الأنباء التي تحدثت عن اكتشاف دواء مصري لهذا الفيروس نفسه؟ أجاب أباظة: «هناك مشاريع بحث في هذا الصدد، ينهض بها «المركز القومي للبحوث» وبعض الجامعات المصرية أيضاً. وحتى الآن، ما زالت النتائج غير كافية للشروع في إنتاج دواء». وأكد الدكتور وحيد دوس، عميد «معهد الكبد القومي» في القاهرة وعضو لجنة التفاوض مع الشركة الأميركية المنتجة الدواء الجديد، أن ما تنتجه الشركة ليس عقاراً مفرداً، بل مجموعة من العلاجات تصل إلى عشرة أنواع تنتجها أكثر من 6 شركات عالمية. وأوضح أن هذا العلاج جُرّب على مرضى مصريين في معهد الكبد وطب قصر العيني وجامعة المنصورة في عينة شملت حوالى 100 مريض. ولفت إلى أن هذه التجارب ما زالت في مراحلها الأولى، مع الإشارة إلى أن نتائجها الأولية سجلت معدلات مرتفعة في نسب الشفاء. وتوقع إعلان النتائج النهائية في منتصف العام المقبل، متوقعاً أن يستخدم هذا العلاج عقب التثبت من فعاليته. وعزا دوس ارتفاع سعر الدواء إلى ضخامة المبالغ التي أنفقت على البحوث والتسجيل، وهي لامست 18 بليون دولار، لافتاً إلى استمرار المساعي لخفض سعره في مصر. واستبعد إنتاج الدواء في مصر قريباً، لأن بحوثه تتطلّب أموالاً طائلة وتكنولوجيا متقدمة، معرباً عن الأمل في التعاون مع الشركات المنتجة لتوفيره بسعر مناسب. وكذلك أكد أن هناك فئات من المرضى لن تستطيع الاستفادة من هذا العقار مثل مرضى تليف الكبد الذين تنخفض إمكانية العلاج لديهم إلى 60 في المئة، ولا يصلح للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج بأدوية آخرى. وأشار أيضاً إلى أن هناك تنافساً حاداً بين عدد من شركات الدواء العالمية لإدخال مصر في تجارب على علاجات فيروس الكبد «سي». ونبه إلى أن فيروس الكبد من النوع «سي» يتّسم بالبطء الشديد في نشاطه، بل إن سنوات طويلة تنقضي على المصاب به، قبل أن تظهر مضاعفاته.