انقلبت الحياة في قرية مزغونة التابعة لمركز البدرشين في محافظة الجيزة رأساً على عقب بعد الانفلات الأمني الذي صاحب ثورة 25 يناير. فالقرية التي كانت تنعم بحياة هادئة على ضفة النيل، تحوّلت إلى مرتع لصراع تجار المخدرات، بعدما وضع هؤلاء أيديهم على النهر، واستغلوه لتخزين المخدرات والتنقل، وبيع الممنوعات على ضفافه. وبذلك تحوّلت ضفة القرية إلى أكبر مركز لتجارة المواد المخدرة في الجيزة، وسقطت في دوامة صراعات متتالية بين تجار المخدرات من ناحية، وبين التجار والأهالي الذين قرروا التصدي لهم بأنفسهم من ناحية أخرى، بعدما فقدوا الأمل في أن تستمع السلطات الأمنية لشكواهم المتكررة. ويتكرر مشهد الصراع بين الأهالي و«الزبائن». وبحلول الغروب، توجّه سائق «توك توك» إلى ضفة مزغونة متخطياً المباني السكنية إلى النيل لشراء المخدرات، وقبل وصوله إلى الضفة التي اعتاد ملاقاة تاجر المخدرات عليها، اعترضته لجنة شعبية ورفضت أن تفتح له الطريق، فنشبت مشادات كلامية بين الطرفين. وأنكر السائق أن يكون غرضه الحصول على المخدرات، قائلاً: «أنا أتيت فقط للجلوس قليلاً على ضفة النيل»، فتركه الأهالي بينما راقبته عيونهم. تبع السائق مجموعات شبابية أخرى تصدى لها الأهالي. ومع مرور الوقت، رحل الجميع بعدما فقدوا الأمل في وجود بائع مخدرات على الضفة كالمعتاد. لم يكن عدم وجود بائعي المخدرات وليد الصدفة، إذ «نشبت معركة أمس بيننا وبين باعة المخدرات، وتم طردهم من الضفة»، يقول تمام قرني، أحد الأهالي المشاركين في التصدي لبائعي المخدرات في القرية، غير أنه لا يعتبر أن المعركة حُسمت لمصلحتهم، فالتجار «حتماً سيعودون. معركتنا معهم أمس لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة. منذ 25 يناير 2011 وضع تجار المخدرات أيديهم على النيل، وحوّلوه إلى مركز لتجارتهم المشبوهة». وإلى جانب صراعات الأهالي مع تجار المخدرات، اشتعلت صراعات أكثر حدة بين التجار أنفسهم. ويبدي قرني شكواه من ذلك، قائلاً: «قبل أيام من معركتنا مع بائعي المخدرات اشتعل صراع بين تجار المخدرات، ووصلت طلقات النار في الساعة الثانية صباحاً إلى البيوت، وذلك لرغبة كل تاجر في احتكار الضفة لمصلحته». على أثر ذلك، لجأ الأهالي إلى خيار اللجان الشعبية، بعدما فقدوا الأمل في تدخّل السلطات الأمنية. ويقول عبدالناصر عبدالحكيم، منظّم لجنة شعبية: «قدمنا الكثير من الشكاوى لمديرية أمن الجيزة، وتواصلنا مع رئيس مباحث قسم شرطة البدرشين السابق عمرو شطا، وردّ علينا بأنه لن يستطيع الوقوف أمام سطوة التجار». وفضلاً عن العوامل الأمنية، فإن تجارة المخدرات على الضفة تثير حساسية إجتماعية لدى أهل القرية. «نساؤنا تخرج يومياً لغسل الأواني على مجرى النهر، ووجود بائعي المخدرات وسوء سلوكهم، يثير الحساسيات الاجتماعية»، يضيف عبدالحميد. يصف عباس منصور، المتطوع لمراقبة سطح النيل، أساليب تجار المخدرات للسيطرة على النهر، وبقول: «يشغّل تاجر المخدرات صاحب المركب مقابل 1000 جنيه شهرياً، ويأتي في وقت معين لجلب المخدرات وبيعها، وهم في مأمن من أعين السلطات الأمنية إذ أنهم يرشون المخبرين». لا يقتصر المشترون على أهالي القرية ومحيطها فقط، ف«الضفة تستقبل وافدين من كل حدب وصوب لشراء المخدرات، مقابل 300 جنيه للفة المخدر الواحدة»، بحسب منصور.