هيمنت حدة الانقسام على تضاريس المشهد السياسي بمصر، بعدما غابت لغة الحوار عن الساحة تاركة المسرح للغة "الملوتوف" والأسلحة البيضاء ودوي الرصاص. وكانت محافظة الشرقية مسقط رأس الرئيس المصري محمد مرسي، بل ومنافسه في جولة الإعادة الفريق أحمد شفيق مسرحا لآخر تفاصيل مشاهد العنف التي اجتاحت مصر طوال الفترة الماضية، إذ لقي ثلاث أشخاص مصرعهم على خلفية مشاجرة سياسية تفجرت بسبب قيام عامل وسائق بسب الرئيس مرسي على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك". ونشب الخلاف بين الطالب الجامعي يوسف لاشين نجل أمين الحرية والعدالة بقرية القطاوية مركز أبو حماد بمحافظة الشرقية وبين عامل وسائق إثر خلاف نشب بينهم على موقع فيسبوك، مما أدى إلى مقتل السائق محمد زكريا ومساعده، فقام عدد من الأهالي بحرق منزل الطالب والتعدي عليه بالضرب المبرح حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بالمستشفى العام. وتبين من تحريات المباحث أن المشاجرة نشبت بين العامل والطالب الجامعى حول مشاركات على موقع فيسبوك، إذ قام العامل بسب رئيس الجمهورية، وانتقل الخلاف بينهما إلى أرض الواقع، استخدم خلاله الطالب الجامعي سلاحا ناريا، مما أسفر عن مصرع المجني عليه، وسائق "توك توك" تدخل لفض المشاجرة، مما أسفر عن مصرعه في الحال. وقام الأهالي بحرق سيارة الطالب ومنزله المكون من أربعة طوابق، وتمكنوا بعد نحو خمس ساعات من الإمساك به في ظل غياب الشرطة، وقام العشرات بالتعدي عليه بالضرب المبرح، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بإصابات خطرة عند وصوله المستشفي العام. وقال أحمد عيد طالب جامعي إن عددا من أهالي القرية اتصلوا بالشرطة إلا أنه لم يحضر أحد منهم، وكلما ازدادت المشاجرة قمنا بإعادة الاتصال بالنجدة، وكررنا الاتصال بالاستغاثة بالشرطة، الذين كانوا يردون أنهم في الطريق، ولكننا فوجئنا بعد ساعات طويلة، بأن الشرطة التي حضرت هي أمين شرطة وخفير نظامي. تصاعد العنف وفي إشارة لكشف تصاعد معدلات العنف بصورة واضحة في مصر، التي بلغت حد إشعال الحرائق في مبان حيوية، كشف اللواء عبدالعزيز توفيق، مساعد أول وزير الداخلية مدير إدارة الحماية المدنية، أن عدد الحرائق التي اندلعت في القاهرة خلال الشهرين الماضيين من العام الجاري بلغ 942 حريقا، وفي الجيزة 533 وفي القليوبية 94، وفي الإسكندرية 265 حريقا، مشيرا إلى أن إجمالي عدد الحرائق التي شهدتها مصر في العام الماضي بلغ أكثر من 38121 حريقا، بينما أكدت دراسة حديثة للجمعية الوطنية لمكافحة الجريمة، أن إجمالي عدد الحرائق في مصر بلغ 87 ألفا منذ اندلاع الثورة. وأكدت الدراسة أن معدل اشتعال الحرائق التى استهدفت مباني حيوية خلال الأشهر القليلة الماضية، زاد بطريقة مثيرة للشك إذ بلغ نحو 500 حريق، كان أخطرها حريق محكمة جنوبالقاهرة، وباخرة إدفو ومصنع الكرتون بأكتوبر ومول طلعت حرب وورش باب الشعرية وحريق اتحاد الكرة ونادي الشرطة، هذا فضلا عن تفجير خط الغاز الطبيعي المؤدي إلى إسرائيل والأردن 14 مرة حتى أبريل الماضي، دون تمكن السلطات المصرية من ضبط أي من المتهمين. تعدد وانقسام ويقول الدكتور مصطفي علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بالفعل هناك أزمة وللأسف متعددة الأبعاد أمنية واقتصادية، فلا اقتصاد دون أمن ولا سياسية دون أمن واقتصاد، ومن الممكن معالجة أزمة تفشي العنف في مصر وتداركها إذا تمت إدارتها من جانب كل الأطراف، إذ إن هناك ثلاثة أنواع من القوى السياسية وهي: القوى الإسلامية الحاكمة، ثم قوى المعارضة الليبرالية والناصرية والاشتراكية والقومية، والثالثة الشباب الذين قاموا بالثورة وفجروها ولم يحصلوا على عائد سياسي منها، بمعنى أنهم ما زالوا بعيدين عن العملية السياسية. فالأزمة في مصر أن كل تيار من هذه التيارات متعدد إلى حد الانقسام، إذ يوجد نحو 63 حزبا وأكثر من 127 ائتلافا، وحتى على الجانب الإسلامي الذي يعتقد البعض أنه غير منقسم يعاني من حالة انقسام شديدة، فهناك أربعة قوى إسلامية هي: الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، فمثلا حزب النور انقسم وأصبح حزبين هما النور، والوطن، وهذا مؤشر خطير، وهو يوجد أيضا بنفس الدرجة على مستوى قوى المعارضة مثل حزب الدستور، إذ إن هناك تعددا كبيرا في عدد الأحزاب، إضافة إلى غياب الخبرة في إدارة شؤون دولة محورية مثل مصر. عنف التنظيمات وترى الدكتورة هبة عبيد، الباحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في ورقتها التحليلية عن ظاهرة العنف في مصر، أن "فروع العنف وأنواعه تشعبت لتشمل نطاقات متعددة داخل المجتمع المصري، بعضها اقتصر على النخبة السياسية سواء الحاكمة أو المعارضة، وبعضها هبط ليشمل الطبقات الأقل، وبعضها تعدى النطاقين السابقين ليصل إلى عنف التنظيمات والأحزاب والجماعات، وهو العنف الأكثر شيوعا وخطرا في آن واحد، خاصة أنه يرتبط بمسار التحول السياسي منذ ثورة يناير، ومنبعه أن العملية السياسية التي أعقبت الثورة اتسمت بقدر كبير من اللاتكافؤ بين أطراف مختلفة، من حيث عناصر قوتها وقدرتها على التأثير، بحيث تتشتت عناصر القوة بين أطراف سياسية ومجتمعية ومؤسساتية مختلفة، تمتلك كل منها بعض عناصر القوة والشرعية، ولا يستطيع أي منها الانفراد بإدارة العملية السياسية، ولكنها تعجز مع ذلك عن العمل معا أو إدارة عملية توافقية". وتضيف عبيد أن "هذا الاختلال بين أطراف يملك كل منها تميزا في أحد عناصر القوة، ويفتقد تماما القدرة على التأثير في العناصر الأخرى يفرز عملية أميل للطابع الصراعي، خاصة إذا أدير التفاعل من خلال مباراة صفرية، وسعى كل طرف إلى شد الآخرين على الأرضية التي يتفوق فيها، ونفى أو تجاهل عناصر تفوقهم المادية أو المعنوية. فالطرف الذي يملك الشرعية المؤسساتية في المشهد الحالي لا يملك بالضرورة القدرة على التأثير على الشارع، ومن يملك القدرة على التنظيم والفوز بالصناديق، لا يمتلك بالضرورة التأثير على قنوات الرأي أو مفاصل الاقتصاد، مضيفة أن "اختزال التحول الديموقراطي في شرعية الصندوق، وتجاهل أطراف مؤثرة في عملية التحول قد لا تستطيع كسب معارك الصناديق ولكنها تملك من القدرات ما يجعل التجاهل المستمر لمصالحها أو مطالبها أو الفئات التي تمثلها، يعدّ من المولدات الهيكلية للعنف بأشكاله المختلفة". الغث والسمين بدوره، نفى الدكتور أشرف عبدالرحمن القيادي بحزب الحرية والعدالة أي ربط بين العنف وبين جماعة الإخوان المسلمين، مضيفا، في تصريحات إلى"الوطن"، أن "الحديث عن العنف ليس من منهج جماعة الإخوان المسلمين". ويربط عبدالرحمن بين تلك المزاعم وبين الحملات الإعلامية التي استهدف الإخوان، ولا تتوقف عن ترديد الشائعات ضدهم، مضيفا أن "المواطن المصري البسيط يعرف جيدا كيف يفرق بين الغث والسمين، ويدرك أن الإخوان كانوا منذ اللحظة الأولى للثورة موجودين في الميدان، كما أنهم لعبوا دورا بارزا في التصدي للبطلجية في موقعة الجمل في الثاني من فبراير 2011". وقال أحمد سبيع المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين إن "الحرية والعدالة يرفض بشكل قاطع ظهور أية حركات تتبنى العنف أو تهدد باستخدام السلاح، ونحن نرفض تماما أية حركة أو جماعة تحمل السلاح أو تهدد المعارضين لها بالعنف أو تمارس العنف ضد مؤسسات الدولة ومنشآتها". وأكد سبيع أن الدولة هي المسؤولة عن مواجهة مظاهر العنف والخروج على القانون، "مع أهمية مساعدة المواطنين لرجال الشرطة والجيش في التصدي لمظاهر العنف في الشارع من خلال اللجان الشعبية السلمية لحماية ممتلكاتهم ومؤسساتهم"، على حد قوله. لغة الأرقام وبلغة الأرقام، كشفت دراسة صادرة عن المركز التنموي الدولي أن الشارع المصري شهد 1462 احتجاجا خلال شهر أبريل الماضي، بزيادة قدرها 108 احتجاجات عن شهر مارس الماضي، وأن مصر باتت أعلى دول العالم من حيث عدد الاحتجاجات، إذ شهدت 1354 احتجاجا مقابل 864 احتجاجا خلال فبراير الماضي، وأن من نفذ الاحتجاجات 47 فئة من فئات الشارع، كان أهمها المحتجين من أجل بيئة العمل، وأهمها كيفا الاحتجاجات ضد الهجمة على القضاء وعلى المقدسات الدينية للأقباط، وتصدرت المطالب الاقتصادية والاجتماعية احتجاجات الشهر بنسبة 62.4% في حين رفع المحتجون الكثير من المطالب المدنية والسياسية التي كانت أهمها الإفراج عن المعتقلين والمطالبة برحيل النظام الحالي، وضد أخونة مؤسسات الدولة. وشهدت احتجاجات الشهر اتجاها نحو مركزية الاحتجاجات، بحيث ارتفعت نسبة الاحتجاجات في القاهرة التي شهدت 327 احتجاجا بنسبة 22.37% من احتجاجات الشهر، واحتلت الإسكندرية المركز الثاني في المحافظات المحتجة بعدما شهدت 108 احتجاجات بنسبة 7.39%، تليها الغربية في المركز الثالث ب 99 احتجاجا بنسبة 6.77%.